بيضة الإسلام، وكشفوا إليهم الأسرار، حتى أشرفوا على التهايم والأغوار، فرتبوا عليهم الجزا، وجزوهم بشر الحزا. ولما استنفدوا من عندهم الأموال، أخذوا في نهب المناهل، وتحصيل المعاقل، واستصرخ المسلمون عند ذلك بالأمير ناصر الدين، وجامع كلمة المسلمين، ظهير أمير المؤمنين، ابن عم سيد المرسلين، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، واستصرخه معهم بعض الثوار المذكورين ... عن مداراة المشركين، فلبا دعوتهم، وأسرع نصرتهم، وأجاز البحر بنفسه ورجاله وماله، وجاهد بالله حق جهاده، ومنحه الله تعالى استيصال شأفة المشركين، والإفراج عن حوزة المسلمين، جزاه الله تعالى أفضل جزاء المحسنين، وأمده بالنصر والتمكين، وذكر متابعته العدوة إلى جهة أخرى بعد ثلاثة أعوام من هذه الغزوة المشهورة، وقتل كل من ظهر من النصارى بالجزيرة المذكورة، من الخارجين لإمداد ملوكها على عادتهم، أو من سراياهم في أي جهة يمموا من جهات المسلمين، وقذف الله الرعب في قلوب المشركين، حتى أغناه ذلك عن جر العساكر والجنود، وعقد الألوية والبنود، وذكر أن أولايك الثوار، لما أيقنوا قوة الأمير ناصر الدين، وغلبته لحزب المشركين، وسألهم رفع المظالم عن المسلمين، التي كانت مرتبة عليهم، بجزية المشركين، وإمدادهم بها لهم، مدارات لبقاء إمرتهم، عادوا إلى ممالأة المشركين، وألقوا إليهم القول في جهة الأمير، وجرءوهم على لقايه، وصح ذلك عنده وعند المسلمين. فسأله المسلمون عند ذلك إنزال هؤلاء الثوار عن البلاد، وتداركها ومن فيها من المسلمين قبل أن يسري الفساد، ففعل ذلك. ولما تملكها، رفع المظالم، وأظهر فيها من الدين المعالم، وبدد المفسدين، واستبدل بهم الصالحين، ورتب الجهاد، وقطع مراد الفساد، ثم أضاف إلى ذكر ذلك، ما شاهده من تلك السجية الكريمة في إكرام أهل العلم، وتوقيره لهم، وتنزيهه باسمهم، واتباعه لما يفتون إليه من أحكام الله تعالى وأوامره ونواهيه، وحمله عماله على السمع والطاعة لهم، وتزيين منابر المملكة الجديدة والقديمة بالخطبة لأمير المؤمنين، أعز الله أنصاره، وإلزامه للمسلمين البيعة، وكانوا من قبل منكفين عن البيعة، والندا بشعار الخليفة، إلى غير ذلك مما شرحه من عجايب سيرته، ومحاسن أحواله، ومكارم أخلاقه. وكان منصبه في غزارة العلم، ورصانة العقل، ومتانة الدين، يقتضي التصديق له في روايته، والقبول لكل ما يورده من صدق كلمته،