للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن ما أفاضه من هذه الفضايل إلى حضرة الخلافة، أعز الله أنصارها، فوقع ذلك موقع الاحماد، ثم ذكر مع ذلك توقف طايفة من الثوار الباقين في شرق الأندلس، عن مشايعة الأمير ناصر الدين، ومتابعته، وأنهم حالفوا النصارى، واستنجدوا بهم فأعلن المسلمون بالدعاء عليهم، والتبري منهم، ليتوب عليهم أو ليقطع شأفتهم. وكتب هذا الشيخ سؤالا على سبيل الاستفتاء، وافيته فيه بما اقتضاه الحق، وأوجبه الدين، وأعجلني المسير إلى سفر الحجاز، وتركته مشمراً عن ساق الجد، في طلب خطاب شريف من حضرة الخلافة يتضمن شكر صنيع الأمير ناصر الدين في حمايته لثغور المسلمين، ويشتمل على تسليم جميع بلاد المغرب إليه، ليكون رئيسهم، ورؤسم تحت طاعة، وأن من خالف أمره، فقد خالف أمر أمير المؤمنين، ابن سيد المرسلين، ويتعين جهاده على كافة المسلمين.

ولم يبالغ أحد في بث مناقب قوم، مبالغة الشيخ الفقيه أبى محمد في بث مناقب الأمير وأشياعه المرابطين. ولقد شاع دعاؤه في المشاهد الكريمة بمكة حرسها الله، لحضرة الأمير وجماعة المرابطين، ولم يقنعه ما فعله بنفسه إلى أن كلف جميع من رجا بركة دعايهم، الدعاء لهم في تلك المشاهد الكريمة والمناسك العظيمة، وأعلن بالدعاء لأمير بلده، الأمير الأجل أبى محمد سير بن أبى بكر، وفقه الله تعالى، وذكر من فضله، وحسن سيرته، وتلطفه بالمسلمين، ورفع جميع النوايب عنهم، ما جهد به إلى النفوس. ولقد دُعي الشيخ الفقيه إلى المقام ببغداد على البر والكرامة، والاتصال بأسباب، يتشرف بها من حضرة الخلافة، فأبا إلا الرجوع إلى ذلك الثغر يلازمه للجهاد مع الأمراء وفقهم الله تعالى، ولو أقام لفاز بالحظ الأوفى من التوقير والإكرام، وما أجدر مثله بأن يوفي حظه من الاحترام، وولده الشيخ الإمام أبو بكر قد أحرز من العلم في وقت تردده إلى ما لم يحرزه غيره مع طول الأمد وذلك لما خص به من ... الذهن، وذكاء الحس، واتقاد القريحة، وما يخرج من العراق، إلا وهو مستقل بنصيبه، حايز قصب السبق بين أقرانه.

ومثل هذا الوالد والولد خص بالإكرام في الوطن، وقد تميزا بمزيد التوفيق من الأعيان في الغربة، والله يحفظ من حفظهما، ويرعا من رعاهما، فرعاية أمثالهما، من آداب الدين المعينة على أمير المسلمين، وقد قال المحسنون، فليستوص بمن ظفر بهم منهم خيراً، وكم دخل قبلهما العراق، ويدخل بعدهما من تلك البلاد [النائية] (١)


(١) المخطوط " الثانية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>