للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى من عدده وبلده ما أولاني نعمه، ووالاني كرمه، حفظت تلك الحرمة، وشكرت لأستزيد من تلك النعمة، وأخذت في الاجتهاد في الجهاد عالقاً بسببه، آخذاً بمذهبه، وهيأت من ماله عندي جيشه الموضوع بيدي، وأجبت داعي الله بأعظم نية على أكرم طية، لعزمة بيمناه رأسها، وعلى تقواه أساسها وأصلها.

وسرت عن حاضرة غرناطة حرسها الله في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم بجيش تصم صواهله، وتطم كواهله، راياته خافقة، وعزماته صادقة، ونبراته على ألسنة السعد ناطقة. ومررنا من طاعة أمير المسلمين وناصر الدين، على جهات سمعت منادينا، وتبعت هادينا، وانقادت وراءنا أعداد وأمداد، بروزاً من كمون، وتحركوا عن سكون، وانخنا بثغر بيّاسة، وقد توافد الجمع، وملىء البصر والسمع. وأخذت في الرأي أخمره، والعزم أضمره، والذيل أشمره، وجددت الاستخارة لله تعالى والاستجارة به، وابتهلت إليه داعياً ضارعاً، وعولت في جميع أموري على حكمه خاضعاً متواضعاً.

ولحقنا بطرف بلاد العدو أعادها الله، ووطئناها من هنالك، وقد بان عنوان الأهبة، والتأم بنيان الرتبة، وسرنا بجيش يفيض فيضاً، على أرض تغيض غيضاً، ولسيول الخيل إغراق، وليروق البواتر إشراق، وقد نطقت ألسنة الأعنة بقدّام قدّام، وأشرقت كواكب الأسنة في غمام القتام، وسدت الهموات كل نهج وسبيل، واستقلت الرايات عن قبيل فقبيل، وأفضت بنا الخيرة إلى المدينة الحصينة " أقليش " قاعدة القطر وواسطة الصدر، ذات العدد العديد، والسور المشيد، فبدر السابق وشفع اللاحق. وغدونا يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شوال، فدرنا بها دور الحلقة بنقطها، واكتنفناها اكتناف السبحة بسبطتها، وبهت القوم، واتسع البحر عن العوم، وحاروا وحاموا، حين راموا، وجثنا بكل ضرب من الحرب، نخسف عاليها، وننسف هاويها، ونلزها بالرماح، ونهزها هز الغصن في أيدي الرياح، حتى فض الختام، وعض منهم الإبهام، وعجل الله بالنصر وفتحها بالقسر، ونفخ في صورهم، ودارت دائرة السوء بدورهم، ومحقتهم السيوف محق الربا، وأذرتهم ريح النصر فصاروا هبا، وبطحوا بطح زرع الحصيد، وبسطوا بسط كلب الوصيد، وأخذتهم فجأتنا أخدة، ونبذت بهم سطوتنا نبذة، فخروا إلى الأذقان، وسيقوا إلى الموت والإذعان، فما كدنا ننزل حتى كدنا ذلك المنزل، وما أنخنا حتى رضخنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>