ولما استحر فيهم القتل، واجتث منهم الأصل، وضاق بهم المزدحم، وغص ذلك الملتحم، قصر الوقت المبغت، وشغل الأخيذ عن المفلت، وألهي الكثير عن من قل، ونام الجم الغفير عن الفل، وعادت بقاياهم بقصبة المدينة فولجوها، كما يلج العصفور، ويقوم العثور، قد غلقوا الأبواب، وأسدلوا الحجاب، ونحن نصل الجد، ونوحر لأفل غرب، ولا ملت حرب، نجتث الجراثم، ونحتز الغلاصم، ونخرب الديار وبنيانها، ونهدم البيع وصلبانها، ونتتاحفوا بهدايا السبابا، ونتكاشفوا عن بقايا الخبايا، ونصرحوا بنيانا صدعته الحتوف، وغلبته السيوف فلأطلاله هدم وعلى رسومه ردم، حتى علا على الشرك الإيمان، وبدل الناقوس بالأذان، وزحزحت الهياكل عن موضعها، وطرحت النواقيس عن بيعها، ولاذ بنا من هنالك من المسلمين عائذين بنا مستسلمين لنا، فناشدونا بالملة وحرمتها، وكشفوا لنا عن الخلة وسدتها، وفروا من الحملة إلى الحملة، فأوينا شاردهم، وأقمنا قاعدهم، فانجابت كربتهم، وعادت بعد البوار ومجاوبة الكفار بشرِّ دار ملتهم، وأنار لهم الإسلام على منار الإيمان المجدد، واشتهر فيهم التوحيد اشتهار الحسام المجرد، وكشف الدين عن مضمره، وخطب الحق المبين على منبره، وأقمنا بقية يومنا على ذلك إلى أن خام النهار، وحان من الشمس الاصفرار، فعند ذلك أرحنا البواتر، وغيضت تلك الدماء الهوامر، وغداً الخميس في الخميس، مبنياً على ذلك التأسيس، يجر أذيال الظفر في العدد الأوفر، يشفع الأوالي بالتوالي، ويشتري العوالي بالعوالي، فأصبحنا في عز وأنس، وأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كأن لم يغنوا بالأمس، وتضامت تلك العصبة إلى تلك القصبة، والقوم في السجن والحصر، والحصن كالواحد في العالم، والأصبع في الخاتم، والمحصور مأسور، وصاحب الحائط مقهور، ولم نزل نوسعهم قتالا، ونوسعهم ضراً ونكالا مسافة اليوم، إلى أن جزر النهار مده، وبت الليل جنده، فعدنا إلى محلتنا، وقد أمل الكالّ أينه، وغلبت الساهر عينه، وكنت لم آل احتراساً للمحلة بطلائع تحرس جهاتها، وتدرأ آفاتها، وفي القدر ما يسبق النذر، ويفوت الحذر، لاكن كفاية الله خير من توقينا. وكان الطاغية زاده الله ذلا، قد حشد أقطاره وحشر أنصاره، وأبعد في الاستصراخ مضماره، وعبأ جيشاً قد أسرا إلى ذمر، وانطوى على