غمر، فأقدم وصمَّم، وبئس ما تيمم، فاستسلمت جماعتهم على ابن الطاغية أذفونش، وشيخهم وزعيم فرسانهم غرسية أرذونش، وصاحب شوكتهم ألبر هانس، والقمط بقبدره وقواد بلاد طليطلة وصاحب " قلعة النسور " و" قلعة عبد السلام "، وكل قاص ودان، وعاجل ووان، أخزى الله جميعهم، وطلّ نجيعهم، ولا أقام صريعهم.
وهذا دعاء لو سكتُّ لكفيتُه ... لأني سألت الله ربي وقد فعل
وطرقوا من طرف مجتمعهم يريدون الغرة، ويظهرون صلفاً تحت الغرة، وتقدموا فتندموا، ودنوا فهووا، ووصلوا فحصلوا، وأرسل الله تعالى من جنده فتى كانوا قد سبوه صغيراً واقتنوه أسيراً، ولله تعالى فيه خبأة أعدها من عنده، وبعثها من جنده، ونزع الفتى إلينا من معسكرهم منبئاً بهم دالا عليهم، وكاشفاً بهم على النبأ العظيم، ومطلعاً منهم على المقعد المقيم، فعند ذلك ثارت ثائرتنا، ودارت على مركز التوفيق دائرتنا، وقام القاعد، وأشار البنان والساعد، وتضام القريب والمتباعد، والليل قد هدأ، والصبح قد بدأ، والدياجير ممدودة السرادق، مجموعة الفيالق، ولا جار إلا الغاسق، ولا مار إلا السما والطارق، وكنت قد استدنيت القائدين المجربين، ذوي النصيحة والآراء الصحيحة، أبا عبد الله محمد بن عائشة، وأبا محمد عبد الله بن فاطمة وليّيّ أعزهما الله، فجالا في مضمار وساع واضطلاع، بذرع وذراع، فاجتمعنا على كلمة الله متعاقدين، وخضعنا إلى حكمه مستسلمين، فعند ذلك حل يده المجتبي، وقيل يا خيل الله اركبي، فعادت الآراء بالرايات، وحكمت النهي في النهايات، والأسنة تجول في آمادها، والنصول تصول في أغمادها. وثرنا كما ثار الشهم بفرصته، وطار السهم لفوضته، وأمرت رجالا بلزوم المحلة، فسدوا فرج أبوابها، ولاذوا بأوتادها وأسبابها، فداروا كما دور السوار، وانتظموها انتظام الأسوار، قد شرعوا الأسنة من أطرافها، وأجالوا البواتر في أكنافها، وأضاقوا الأفنية، وقاربوا بين الأخبية.
وعبأنا الجيش يمناه ويسراه، وصدره ولهاه، وساقته وأولاه، ونهضنا بجملتنا من محلتنا، والصبر يفرغ علينا لامه، والنصر يبلغ إلينا سلامه، وتوجهنا إلى الله نقتفي سبيله، ونبتغي دليله، فما رفع الفجر من مُجابه، ولا كشر الصبح عن نابه، حتى ارتفعت ألوية الدين سامية الأعلام، واتسعت أقضية المسلمين ماضية الأحكام، وقيض الليل خمسه، وفضح الصبح نفسه، ولسن السنان لمعان،