للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولشباب العراك ريعان، ولأنفاق الإعلام ضراب أو طعان. وعند ذلك نجم " العجم " في سواد الليل وإزباد السيل، يهبطون إلى داعيهم، ويهرعون إلى ناعيهم، في دروع كالبواري، ورماح كالصواري، كأنما شجروا باللديد، وسجنوا في الحديد، يزحفون والحين يعجلهم، ويركبون والحتف يزحلهم، يتلمظون تلمظ الحيات، قد تحالفوا أن لا يتخالفوا، وتبايعوا أن يتشايعوا، ووصلوا إلى مقدمتنا، وكان هناك القائد " أبو عبد الله محمد بن أبي زنغي " مع جماعة، فصدمهم العدر بصدور غِرّة وقلوب أشرة، فانحوا بكلكل ورموا بجندل، وشدوا فما ردوا، وصادروا فما صدوا، وتقهقر القائد " أبو عبد الله " غير مول، وتراجع غير مخل إلى أن اشتد منا بطود، وزحم من جيشنا بعود. فتراءى الجمعان، وتدانا العسكران، وأمسكنا ولا جبن، ووقفنا والأناة يمن، فعند ذلك ثار النصر فمد يمناه، وأناط الصبر فأشرق محياه، ونزلت السكينة، وأخلصت القلوب المستكينة، واهتزت الفيالق مائجة، وهدرت الشقائق هائجة، وجحظت العيون غضباً، وطلبت البواتر سبباً، وأذن الحديد بالجلاد، وبرزت السيوف عن الأغماد، وتصاهلت الخيول، وتصاولت القيول، فعند ذلك تواقف القوم كوقفة العير، بين الورد والصدر، فبرز فارس من العرب، فطعن فارساً منهم فأذراه من مركبه، ورماه بين يدي موكبه، فانتهج، ما أرتج، وانفتح المبهم، وأفصح المعجم، فعند ذلك اختلطت الخيل، بل سال السيل، وأظلم الليل، واعتنقت الفرسان، واندقت الخرصان، ودجا ليل القتام، وضاق مجال الجيش اللهام، واختلط الحسام بالأجسام، والأرماح بالأشباح، ودارت رحى الحرب تغر بنكالها، وثارت ثائرة الطعن والضرب تفتك بأبطالها، فلثغر الصدور ابتراد، ولجزم القلوب انتهاد، فما وضح النهار، ولا مسح الغبار، حتى خضعت منهم الرقاب، وقبلت رؤوسم التراب، واتصل الهلك بالشرك، وعادت الضالة إلى الملك، وقلم ظافر الكفر، وطالت إيمان الإيمان، وفر الصليب سليباً، وعجم عود الإسلام فكان طيباً، وغمرهم الحيف فهمدوا، واطفأهم الحين فخمدوا، ومات جلهم بل كلهم، وما نجا إلا أقلهم، وحانوا فبانوا، وقيل كانوا، وكشفت الهبوات، وأنجلت تلك الهنات، عن رسوم جسوم قد قصفتها البواتر، ووطئتها الحوافر، خاضعة الخدود، عاثرة الجدود، وأخذت ساقتنا في الطلب، وضم السلب إلى السلب. وملئت الأيدي بنيل وافي الكيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>