وخمس مائة. وقبله وافى كتابك تذكر فيه المثيلة التي كانت للعدو- دمره الله - عليك في اليوم الذي واجهتموه فيه، بعد ان كان لكم صدره، وأتيح لكم نصره، فأواخر الأمور أبدا أوكد وأهم، والعواقب هي التي تحمد أو تذم، وإذا حسنت خواتم الأعمال فالصنع أبْها وأتم، وإن لسان العذر لتلك الحال لقصير، وإن الله على ذلك المشهد المضيع لمطلع بصير: توافقتم مع عدوكم، وأنتم أوفر منه عدة وأكثر جمعاً، وأحرى أن تكونوا أشد عن حريمكم منعاً، وأقوى دونه دفعاً، فثبت وزللتم، وجدّ ونكلتم، وشد عقد عزيمته وحللتم، وكنتم في تلك الوقعة قرة عين الحاسد، وشماتة العدو الراصد، وقد كانت نصبة توليكم بين يديه بشيعة هائلة، ودعامتكم لولا إنثناؤه عنكم ماثلة، فشغله عنكم من غررتموه من الرّجل الذي أسلمتموه للقتل، وفررتم، ونصبتموهم دريئة للرمح ثم طرتم، ولولا مكان من أوردتموه من المسلمين ولم تصدروه، وخذلتموه من المجاهدين ولم تنصروه، لانكشف دون ذلك الرماح جنتكم ووقاؤكم، وأصيبت بها ظهوركم وأقفاؤكم، عاقبكم الله بما أنتم أهله، فأنتم أشجع الناس أقفاء وظهوراً، وأجبنهم وجوهاً ونحوراً، ليس منكم من تدفع به كريهة، ولا عندكم في الرشد روية ولا بديهية، فمتى وأي وقت تفلحون، ولأي شىء بعد ذلك تصلحون؟ ونحمد الله عز وجهه كثيراً، فقد دفع بفضله الأهم الأكبر، وأجرى بأكثر السلامة القدر. فاكشفوا بعد أغطية أبصاركم، وقصروا حبل اغتراركم، وألبسوا منه جنة حذاركم، واعلموا أن وراء مجازاتنا إياكم جزاء توفونه، ويوماً عصيباً تلقونه، فكونوا بعد هذه الهناة لداعي الرشد بين مطيع وسامع، ومن كلمة الاتفاق والتآلف على أمر جامع، فإنكم لو خلصت غيوبكم، وحسنت سريرتكم، واطمأنت على التقوى قلوبكم، لظهر أمركم وعلا جدكم، ولما ذهب ريحكم ولا فل حدكم، فتوخوا في سبيل الله وطاعته أخلص النيات، وأصدق العزمات، واثبتوا أحسن الثبات، وكونوا من الحذر والتقوى على مثل ليلة البيات. وقد ذُكر أن للعدو دمره الله مدداً يأتيه من خلفه، والله يقطع به، فلتضعوا على مسالكه عيوناً تكلأ، ولتكن آذانكم مصيغة لما يطرأ، فإن كان له مدد كما ذكر، قطعتم به السبيل دون لحاقه، وأقمتم الحزم على ساقه، والله تعالى يفتح لكم فيهم الأبواب، ويأخذ بأزمتكم إلى الصواب، إنه الحميد المجيد، لا إله غيره.