ولما كان، أعزكم الله، الدين ينعت بالنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين، والذكرى تنفع المؤمنين، وجب أن نتخذ لكم من الموعظة به أنفسها الذي مُرُّها في العاقبة حلو، وأخفض مراتبها في الله علو، فاعلموا، أعلمكم الله، ولا أقامكم مقاماً يرديكم، أن أقرب الناس إلى الله أحناهم على عباده، وامحضهم للنصيحة لهم بمبلغ جده واجتهاده، وأن أولى الناس بنا من طاب خبره، وكرم أثره، وحسن مورده في الأمور ومصدره، وكذلك " العامل " منكم و " القاضي " وفقهما الله، إنما أقعدا بذلك المكان لخير يتوليانه وشر يردعانه، وعدل يقضيانه، فليقدما أولا تسديد أمرهما، ولينظرا في إصلاح أنفسهما، قبل إصلاح غيرهما، فمن لا يصلح أمر نفسه لا يصلح سواه، ومن لا يسدد أموره لا يسدد أمر من تولاه. وعليكم أجمعين بتقوى الله في السر والإعلان، والتمسك بعصم الإيمان، والاستعانة على حوايجكم بالكتمان، والتنزه عن فلتات اليد واللسان. ولم تخل أمة من جاهل وعليم، ومعوج وقويم، فليردع الجاهلَ العليم، ولينبه المعوجَ القويم، ولن يزال الناس بخير ما لم يتساووا، فإذا تساووا هلكوا.
وأهم أموركم الصلاة، التي هي سبيل النجاة لسالكها، ولا حظ في الإسلام لتاركها، فالزموها في جماعاتها، ولا تخلوا بشىء من مسنوناتها، ومفروضاتها، وأخلصوا فيها لله العلي الأكبر، واعلموا أنها كما قال سبحانه " إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ".
وعليكم وفقكم الله بإصلاح ذات البين، واعتماد الحق المخلص في الدارين، وتخير الرفقا وانتخاب الجلسا، فإن مثل الجليس كمثل القين، والصاحب الصالح قوة في الدين، وقرة في العين.
وانتدبوا واندبوا من قبلكم للجهاد، الذي هو من قواعد الإيمان والرشاد، أمر الرحمن، وفرض على الكفاية والأعيان، واتصال الهدو بفضل الله وللأمان. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القايم الصايم الذي لا يفتر عن صلاة ولا صيام ".
والذي نأخذ به عهد الله على العامل منكم الرفق بالرعية، والحكم بالتسوية، وإجراء أمورها على السبيل الحميدة المرضية، فهي العنصر الذي منه الاستمداد، والأصل