وضبط الأمور فيها، ثم انصرفا من ظاهر مرسية، في القوات الموحدية، عائدين إلى الأندلس. ولما وصلا إلى قرطبة، تخلف بها السيد أبو سعيد بموافقة سابقة من أخيه الخليفة، ليستأنف بها مهام منصبه في الولاية عليها، وسار السيد أبو حفص إلى إشبيلية، ثم عبر البحر إلى العدوة، عائداً إلى حضرة مراكش، فوصل إليها في ضحى اليوم العاشر من ربيع الأول سنة ٥٦١ هـ.
ويقدم إلينا ابن صاحب الصلاة وصفاً ضافياً لاحتفال الخليفة أبي يعقوب باستقبال أخيه في ظاهر مراكش، وما تلا ذلك من الحفلات والمآدب وتوزيع الصلات. ولا بد لنا أن ننقل هنا موجزاً لهذا الوصف، أولا كنموذج لحفلات الابتهاج الموحدية، وثانياً كنموذج لبعض نواحي الحياة الاجتماعية الرسمية، التي يصفها لنا ابن صاحب الصلاة خلال روايته من آن لآخر.
يقول ابن صاحب الصلاة، إن الأمير الإمام أبا يعقوب، خرج بنفسه لاستقبال أخيه، بعد أن كتّب كتائبه المنصورة الحاضرين معه بحضرة مراكش، وكسا حرسه الأسود بالثياب الزاهية، واصطفت الفرسان المدرعة من الموحدين وغيرهم، والرجال بالدورق والرماح، وجعل الرايات خلف ركابه، وحملة الطبول مع خاصة أصحابه، وهو راكب جواده، ووزيره أبو العلاء إدريس ابن جامع راجل لصق ركابه، وهو يحدثه، ويصدر الأمير أوامره، فينفذها الوزير، ثم يرجع إليه، وعلى عاتق الأمير رمح طويل. والتقى الأمير بأخيه في الساحة التي كانت قائمة عندئذ تجاه باب الشريعة، فلما التقى الأميران، تجاوبت الخيل بالحملات والحراب والطبول، ثم نزل الأخوان كل عن فرسه، والتقيا وتصافحا، ثم سلم الناس الواصلون على الأمير وعلى من حضر، ثم ركبوا إلى القصر العبيق في أعظم أبهة فوصلا إليه بعد العصر، واجتمعا به. وفي اليوم التالي، أقيمت المآدب الحافلة بالأطعمة والأشربة للموحدين والعرب الواصلين، ولجميع المقيمين، واستمر ذلك خمسة عشر يوماً. ثم وزعت الكسى من العمائم والبرانس والأكسية. وتسلم كل فارس طقماً كاملا من الكساء يتكون من عفارة وعمامة وكساء وقسطية وشقة، وأنعم على جميع الناس من الغازين والقاطنين وطلبة الحضر، ووزعت عليهم الأعطية المالية، من الذهب والدراهم، فخص الفارس سواء من الموحدين أو العرب، عشرون ديناراً، ولكل من أعيان الموحدين وأشياخهم وكذلك أشياخ العرب، مائة دينار، وعم بذلك البشر والحبور، واستمرت