ولاية الغرب الأندلسية، وكان قيام مملكة البرتغال الناشئة، واشتداد ساعدها في عهد ملكها ألفونسو هنريكيز، يمثل الخطر الجديد على قواعد الأندلس الغربية المتاخمة لهذه المملكة الجديدة، وكان ألفونسو هنريكيز حينما اضطربت شئون الأندلس، وعمت الفتنة قواعد الغرب، قد انتهز هذه الفرصة للإغارة على القواعد الإسلامية المجاورة، وكان يتوق بالأخص إلى الاستيلاء على أشبونة لموقعها الفذ عند مصب نهر التاجُه، ولحصانتها، ولكونها كانت معقل المسلمين المنيع في قلب الأراضي البرتغالية. ولما لم يكن لديه قوى كافية لتنفيذ مشروعه فقد اتجه إلى الاستعانة بالقوات الصليبية المتجهة إلى المشرق من الإنجليز والألمان والفلمنك (الهولنديين)، واستطاع بالفعل أن يجذب منهم لمعونته طوائف كبيرة. وفي أوائل سنة ١١٤٧ م (أواخر ٥٤١ هـ) سار في قواته لمحاصرة أشبونة، ورابطت القوات الصليبية في البحر، في مدخل الميناء لتحول دون وصول أية أمداد إلى المدينة المحصورة. واستمر الحصار بضعة أشهر، وكانت أشبونة الإسلامية مدينة منيعة، تحميها من ناحية البر أسوار منيعة ضخمة، ولها عدة أبواب عظيمة، وبابها الغربي هو أعظم أبوابها، وقد عقدت عليه حنايا فوق حنايا، على عمد من الرخام، مثبتة على حجارة من رخام، ولها باب قبلي يسمى باب البحر، وباب شرقي يسى باب الحمة (١). ووقعت بين المسلمين والنصارى معارك عديدة، ودافع المسلمون عن ثغرهم أشد دفاع، ولكن الحصار كان شديداً مرهقاً، وقد نضبت موارد المدينة المحصورة تباعاً، وثلمت الأسوار في عدة مواضع. ثم استعد البرتغاليون للضربة الحاسمة. وخطب فيهم ملكهم ألفونسو، يحثهم على مضاعفة الجهود في القتال، وليقول لهم إن المدينة غنية بالأموال، التي تمكنهم من متابعة الحرب، وإنها معقل الأعداء وكنزهم، ومستودعهم الذي يزخر بالحلي والنفائس، فعليهم أن يقتحموا هذه الأسوار المثلومة، وأن يأخذوا المدينة.
وكانت المعركة الأخيرة قصيرة، ولكن دموية هائلة، ودافع المسلمون، بالرغم مما عانوا من أهوال الحصار، عن مدينتهم، دفاعاً مريراً. ولكن هذا الدفاع اليائس لم يغن شيئاً، واقتحم النصارى الأسوار، ودخلوا المدينة من بابها الشرقي - باب الحمة - وقتل من المسلمين مقتلة عظيمة، وأسر الأحياء منهم، وجعلوا رقيقاً، ونهب النصارى المدينة نهباً ذريعاً، وكان فيها من الأموال والنعم