هذا وسوف نرى فيما بعد أن استيلاء البرتغاليين على باجة قد وقع وفق رواية أخرى بعد ذلك بعشرة أعوام.
ولم يمض قليل على ذلك، حتى بدأ نصارى البرتغال سلسلة جديدة من الاعتداءات على القواعد والأراضي الإسلامية. وكان منظم هذا العدوان وقائده مغامر يدعى جيرالدو، وينعت في التواريخ النصرانية " بالباسل " Geraldo sem Pavor ، وكان هذا المغامر الذي تعرفه الرواية الإسلامية " بالعلج جراندة الجليقي " قاطع طريق أو رئيس عصابة ناهبة، ألفى مجالا طيباً لنشاطه في الظروف التي كانت سائدة يومئذ في بلاد الغرب الأندلسية، وكان يغير بالأخص على المحلات والأراضي الإسلامية الواقعة في قطاع بطليوس ما بين نهري التاجُه ووادي يانه، ويعيث فيها قتلا وتخريباً ونهباً، وكان يقوم بهذه الغارات والغزوات لحساب نفسه، وفي أصحابه وعصبته، على نحو ما كان يفعل السّيد الكنبيطور (الكمبيادور) في شرقي الأندلس أيام الطوائف. بيد أنه لم يكن يبلغ من ْحيث شخصيته، ولا من حيث عصبته أو مكانته، مبلغ السّيد، وإن كان بعض البرتغاليين يعتبره قرين السيد، ويسميه " بالسيد البرتغالي ". وكان ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز يؤازره، ويعاونه بالمال والرجال، لما يترتب على نجاح حملاته وغاراته من إضعاف المسلمين، والتمهيد لمشاريعه الضخمة في افتتاح قواعدهم. ويصف لنا ابن صاحب الصلاة -وهو الراوية المعاصر- أعمال جيرالدو ومغامراته في الفقرة الآتية: " كان أدفونش الرنك الغادر الجليقي، صاحب قلمرية، قد عاين من نجدة هذا الكلب جراندة، وتيقظه لغدر البلاد والحصون، ما أعانه على ذلك برجاله، وسلطه على المسلمين في الثغور بأرجاله، فكان الكلب يتسلل في الليالي المطرة الحالكة المظلمة، الشديدة الريح والثلج، إلى البلاد، وقد أعد آلات من السلالم من أطول العيدان، يعلو سور المدينة التي يؤم ويروم، فإذا نام السامر المسلم في برج المدينة، ألقى تلك السلالم إلى جانب البرج، ورقى عليها بنفسه أولا إلى البرج، وينقض على السامر، ويقول له، تكلم على ما كانت عادتك ليلا يشعر الناس بنا، فإذا استوفى طلوع حملته، ألزمه في أعلى سور المدينة، صاحوا بلغاتهم صيحة عظيمة منكرة، ودخلوا المدينة، وقتلوا من وجدوه