ويقول لنا في حوادث سنة ٥٦٣ هـ، " في أول هذه السنة خنع الله القلوب بخلوص الضمائر المؤذنة بالسعود والبشاير، من الآراء الموفقة، والنفوس المصفقة بتجديد البيعة، والتسريح بالإسمية المستحق لسيدنا، فكمل ذلك بإجماع الموحدين، أعزهم الله ". ثم يقول لنا، إن هذا الأمر العزيز، قد نفذ بكتاب كريم، أرسل إلى أخي الخليفة السيد أبي إبراهيم إسماعيل والي إشبيلية، منبئاً له " بما اتفق من اجتماع الرأي السعيد، والفعل السديد، الذي اجتمعت عليه آراء الموحدين .. من تجديد البيعة الرضوانية والإسمية الإمامية للإمام أبي يعقوب ". وفي هذا الكتاب يأمر الخليفة بأن يأخذ الناس بما جاء فيه، وجميع الموحدين بإشبيلية، وسائر بلاد الأندلس التي تحت نظر الموحدين، مثل قرطبة وغرناطة ومالقة وغرب الأندلس، وذلك بعقد البيعة على أوفى شروطها. فوجه السيد أبو إبراهيم نسخة الكتاب إلى زميله الحافظ أبي عبد الله والي غرناطة، فاحتفل بقراءته من فوق المنابر، وهرع الناس إلى إعطاء بيعتهم، وسجلوها في كتاب أرسل إلى الخليفة. وكتب أهل إشبيلية كذلك بيعتهم، ووقعوها بخطوطهم، ووجهها السيد أبو إبراهيم إلى الخليفة. وقد نقل إلينا ابن صاحب الصلاة نص الوثيقتين المذكورتين، وقد أرخت كلتاهما في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمسمائة (١)، وأرسلت في نفس الوقت بيعات سائر القواعد الأخرى، سواء بالمغرب أو الأندلس، إلى حضرة مراكش.
ولما كملت البيعة الجديدة على هذا النحو تسمى الخليفة أبو يعقوب بأمير المؤمنين، وساد اليمن والبشر، وأصدر الخليفة عفوه عن المسجونين، وأمر برفع البقايا عن العمال الخائفين، وتأمينهم من المخاوف، فيما تقيد عليهم في الدواوين، وأغدق الصلات والأعطية، وأمر بأن يجرى " الإنعام والبركات " في سائر بلاد المغرب والأندلس، فكثرت النعم، وعم الرخاء ونمت الجبايات والخراج، وانتعشت حركة العمران في العاصمة الموحدية، وشرع الناس في إنشاء الدور الفخمة، والرياض اليانعة، وكثرت بهذه المناسبة مدائح الشعراء وتهانيهم. فمن ذلك قصيدة نظمها أبو عمر بن حربون شاعر الدولة الموحدية هذا مطلعها: