للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاصدع أمير المؤمنين بدعوة ... لم تترك صمماً لسمع الجامد

يهنى الخلافة أن لبست رداءها ... وقعدت منها اليوم أشرف مقعد (١).

وفي أواخر هذا العام - سنة ٥٦٣ هـ (١١٦٨ م) - ندب أبو يعقوب أخاه السيد أبا إسحاق إبراهيم والياً لقرطبة، وكانت بلا والٍ مذ غادرها واليها السابق السيد أبو سعيد عائداً إلى مراكش نزولاً على رغبة أخيه الخليفة، وذلك في شهر ذي القعدة سنة ٥٦١ هـ. وعبر السيد أبو إسحاق إلى الأندلس في عسكر ضخم من الموحدين وسار إلى قرطبة ليتقلد ولايتها. وكان عبوره فاتحة الحركة التي كانت تجتمع أسبابها منذ حين، لعبور الموحدين إلى شبه الجزيرة، للاضطلاع بمحاربة النصارى، وافتتاح عهد جديد من الجهاد، تُؤَمََنُ فيه الأندلس، ويقمع عدوان المعتدين عليها.

- ٤ -

والواقع أن الموحدين كانت قد انعقدت نيتهم على الاضطلاع بهذه الخطوة، التي برهنت حوادث الأندلس على ضرورتها، وذلك سواء في الشرق أو الغرب. وقد أبلغ الخليفة أمر هذه النية، وما اتفق عليه رأى الموحدين بشأنها، إلى الشيخ الحافظ أبي عبد الله والي غرناطة، في رسالة خاصة وجهها إليه، مؤرخة في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٥٦٣، وفيها يشير إلى ما تقرر من إرسال السيد أبي إسحاق في عسكر من الموحدين والعرب إلى قرطبة، وأنه سوف يتعاون بعسكره مع إخوانه الذين بإشبيلية، ويضطلع الجميع بالجهاد وحماية البلاد، وأن يستمر النظر للحافظ أبي عبد الله في شئون الآلات والأسلحة التي تحتاج إليها القوات الموحدية (٢).

وحدث في نفس الوقت الذي وصلت فيه هذه الرسالة إلى غرناطة، أن أغارت قوة من النصارى المرتزقة من جند ابن مردنيش على وادي شَنيل غربي غرناطة، واندفعت جنوباً حتى وصلت إلى أحواز رُندة، وعاثت في تلك المنطقة، وانتهبت أموالها وماشيتها، فبادر السيد أبو عبد الله بتجهيز عسكر قوي


(١) أوردها ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٠٧ أوب، ووردت كذلك في البيان المغرب، القسم الثالث ص ٧٤.
(٢) أورد لنا ابن صاحب الصلاة نص هذه الرسالة في " المن بالإمامة " لوحة ١١٠ أوب و ١١١ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>