للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لردها وردعها، فالتقت بهم حين عودتهم على مقربة من وادي آش، فحاول النصارى الامتناع بجبل قريب، ولكن الموحدين دهموهم في أعلى الجبل، وقاتلوهم بشدة، حتى مزقت صفوفهم، وتساقطوا من حافات الجبل، وقد فنى معظمهم قتلا وأسراً، واستاق الموحدون الغنائم والأسلاب، ومعها ثلاثة وخمسين أسيراً من النصارى ضربت أعناقهم عند وصولهم إلى غرناطة (مارس سنة ١١٦٨ م)، وبعث السيد أبو عبد الله، بنبأ ذلك النصر إلى الخليفة، فرد عليه برسالة يزجى فيها الشكر، ويحمد الله على توفيقه (١).

وفي أواخر هذا العام استولى الموحدون على ثغر طبيرة، الواقع في جنوبي البرتغال غرب مصب نهر وادي يانه، وكانت طبيرة من القواعد التي ثارت بالغرب أيام أن اضطربت شئونه، وذلك في سنة ٥٤٨ هـ، وكان الخليفة أبو يوسف، أيام أن كان والياً لإشبيلية، في أواخر عهد أبيه الخليفة عبد المؤمن، قد نازل طبيرة مرتين، ولم يظفر بفتحها، وكان صاحب طبيرة، عندئذ الثائر بها عبد الله ابن عبد الله، قد تفاقم شره وعدوانه، وكثر عيثه في تلك المنطقة، يعتدى على السكان الآمنين والسابلة، والتجار، بعصبته من أهل الشر وقطاع الطريق، سواء في البر أو البحر، فعندئذ عول الموحدون على أخذ طبيرة، وحسم دائها. فساروا إليها في حملة قوية، واحتلوا حصن قسطلة القريب منها، وحاصروها براً وبحراً، حتى أذعنت إلى التسليم، وذلك في شهر ذي القعدة سنة ٥٦٣ هـ (سبتمبر سنة ١١٦٨ م) (٢).

وفي أواخر هذا العام أيضاً وقع حادث ذو مغزى خاص، هو قدوم الزعيم القشتالي فرناندو ردريجيس صهر فرناندو الثاني ملك ليون وزوج أخته إبنة القيصر ألفونسو ريمونديس، مع أخويه إلى إشبيلية، والإعراب عن رغبته لأشياخ الموحدين بها، في أن يكون صديقاً وحليفاً لأمير المؤمنين، ومنابذاً لشيعة النصارى، فبعث الموحدون برغبته إلى الخليفة، فأذن له بالقدوم إلى مراكش، فقدم إليها، واستقبله الخليفة أبو يعقوب بترحاب بالغ، وأنزله ومن معه خير منزل، وأقام بالعاصمة الموحدية خمسة أشهر، معززاً مكرماً، " حتى كاد أن


(١) أورد لنا ابن صاحب الصلاة نص هذه الرسالة في " المن بالإمامة " لوحة ١١٢ أوب.
(٢) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١١٦ ب، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٧٧ و ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>