للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٥٦ هـ) بمحاولة أولى لمهاجمة بطليوس، انتقاماً لما قام به الموحدون قبل ذلك بأعوام قلائل من غزو أراضيه. ولكنه رد على الأثر. وليس من الواضح ما إذا كانت بطليوس عندئذ ما تزال تحت حكم صاحبها ابن الحجام، أحد ثوار الغرب الموالين للموحدين، أم أنها كانت قد خلصت للموحدين، وهم الذين قاموا بالدفاع عنها. وكان جيرالدو سمبافور قد استولى، حسبما ذكرنا فيما تقدم، على حصن جلمانية الواقع على مقربة من غربي بطليوس، وحصن منتانجش على مقربة من شمالها الشرقي. ففي شهر رجب سنة ٥٦٤ هـ (أبريل سنة ١١٦٩ م)، زحف جييرالدو سمبافور في جموعه على مدينة بطليوس، وهاجمها، ورأى واليها أبو على عمر بن تيمصلت أنه لا يستطيع بحاميته الضعيفة أن يدفع المهاجمين، فامتنع بالقصبة، وبعث بصريخه إلى الموحدين بإشبيلية. وما كاد جيرالدو يستولي على المدينة حتى أقبل ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز في قواته، ودخل بطليوس، وحاصر الموحدين في القصبة، وحدد لهم مهلة للتسليم. وكانت قصبة بطليوس من أعظم القصبات الأندلسية وأمنعها (١)، ومن ثم فإن ابن تيمصلت كان على يقين من أنه سوف يستطيع الصمود مع حاميته حتى تصل الأمداد الموحدية من إشبيلية. بيد أن النجدة جاءت لأهل بطليوس، وللموحدين المحصورين بقصبتها من طريق آخر لم يكن في الحسبان. جاءت على يد ملك ليون فرناندو الثاني.

ويجب لكي نفهم هذا الموقف الذي ترتب عليه اشتباك الملكين النصرانيين ألفونسو هنريكيز ملك البرتغال، وفرناندو الثاني ملك ليون، داخل مدينة بطليوس، وتحت أسوار قصبتها، أن نرتد قليلا إلى الوراء، لنلقي بعض الضوء على علائق هذين الملكين المتنافسين، في هذه الفترة الدقيقة من حياة الحاضرة الأندلسية التالدة - بطليوس. وقد سبق أن شرحنا بإيجاز سبب الخصومة الرئيسي بينهما، وهو ما يتمسك به فرناندو الثاني من دعوى السيادة على البرتغال التي ورثها عن أبيه القيصر ألفونسو ريمونديس، ورفض ملك البرتغال أن يعترف بظل من هذه السيادة، وما اقترن بذلك من إنشاء فرناندو الثاني لمدينة ردريجو الحصينة على مقربة من حدود البرتغال، لكي يتخذها قاعدة للإغارة على أراضي


(١) أتيح لي أن أزور مدينة بطليوس وأن أشاهد بقايا قصبتها العظيمة الواقعة فوق الربوة الصخرية المشرفة على نهر وادي يانه، والتي ما زالت تدل على ما كانت عليه هذه القصبة من الضخامة والمنعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>