وأن يستميلهم إلى طاعته ومؤازرته، ثم بدىء بتمييز الموحدين من غرة جمادى الآخرة واستمر تمييزهم أيضاً خمسة عشر يوماً، وفق منازلهم وقبائلهم، ووزعت على أثر ذلك على الموحدين والعرب الخيل وعُدد الحرب من الرماح والدروع والبيض والسيوف وغيرها. واختتم التمييز بما يسمى في المراسيم الموحدية " بالإنعام بالبركة " وتوزيع الأعطية. وأقيم لذلك حفل ضخم جلس فيه الخليفة في مجلسه، ومن حوله أشياخ الموحدين وأشياخ العرب، وأحضرت الأموال بين يديه، أكواماً من الذهب والفضة، من دنانير ودراهم، وقُدم الموحدون في تنفيذ البركة، فأصاب الفارس الكامل منهم عشرة دنانير، وغير الكامل ثمانية، والراجل ْالكامل خمسة دنانير وغير الكامل ثلاثة. وحصل العرب على منح مضاعفة، فأصاب الفارس الكامل منهم خمسة وعشرين ديناراً، وغير الكامل خمسة عشر، والراجل سبعة دنانير، ومُنح أشياخ العرب خمسون ديناراً لكل منهم، ومنح كل رئيس قبيلة مائتا دينار، ووزعت على الجميع الكسى من القباطي والنفاير والعمائم، وزودوا بالسيوف المحلاة والدروع السابغات والبيض والقنا، وأمر لهم بثلاثة آلاف فرس وزعت على مختلف القبائل، وحصل الموحدون كذلك على جملة كبيرة من الخيل قسمت عليهم بحسب قبائلهم ومنازلهم. وكان يوماً مشهوداً، سادت فيه الغبطة والحماسة بين الأشياخ والجند، وارتفعت قواهم المعنوية، وأخذوا يتطلعون إلى الغزو المنشود في عزم وثقة (١).
- ١ -
وهكذا تمت أهبة الخليفة أبي يعقوب يوسف للغزوة الأندلسية التي اعتزمها، والتي عاقه المرض حيناً عن إتمامها، وعلى هذا النمط الذي أفاض في وصفه، ابن صاحب الصلاة، ولخصناه فيما تقدم، كانت تُحشد الجيوش الموحدية، ويجرى استعداد الخليفة الموحدي للغزو. وفي اليوم الرابع من شهر رجب سنة ٥٦٦ هـ الموافق ١٣ مارس سنة ١١٧١ م غادر أبو يعقوب حضرة مراكش في حشوده من الموحدين والعرب، وكان خروجه من باب دُكّاله، وقد هرعت الجموع الغفيرة لرؤيته، فسار وأمامه العلم الأبيض، ومن ورائه حملة الطبول، وقد قدم أمامه مصحف عثمان محمولا على جمل مرتفع، وعليه قبة صغيرة حمراء، وقد وضع في تابوته الفخم المرصّع بنفائس الجوهر والياقوت والزمرد، وأمام مصحف
(١) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٥٠ ب و ١٥١ أوب.