للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عثمان، مصحف الإمام المهدي، وكان يسير إلى جانب حملة الأعلام والطبول، الوزير أبو العلاء إدريس بن جامع، ومعه الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن عمر صاحب المهدي، وأبو محمد عبد الله المالقي شيخ طلبة الحضر، وقاضي الجماعة أبو موسى عيسى بن عمران، وعدة آخرون من أشياخ الموحدين. ونزل الخليفة في وادي تانسيفت على قيد ثلاثة أميال من مراكش، وهو أول منازل الرحلة، وعساكره محدقة به من كل صوب. ثم غادره في اليوم التالي إلى جسر الخطابة إلى توبين، ثم إلى تودجين. واستمر في سيره على هذا النحو حتى وصل إلى وادي أم الربيع، وهو في كل مرحلة ينزل في الدار التي أعدت لنزوله، وجاز العسكر الوادي تباعاً فوق القنطرة التي عملت لذلك، وقد خصص يوم لجواز كل قبيلة. ثم استأنف السير حتى وصل إلى مقربة من المهدية، وهي التي سُمّيت عندئذ برباط الفتح. وكان موضع هذه المدينة التي غدت في عصرنا عاصمة المغرب، سهلا براحاً به مرافق لأهل سلا، وبعض أعيان إشبيلية، فاشتراه الخليفة عبد المؤمن من أصحابه. ولما وفد في قواته على سلا في سنة ٥٤٥ هـ، لاستطلاع أحوال جزيرة الأندلس واستدعاء شيوخها وطلبتها من الموحدين، أمر حسبما تقدم، بأن ينشأ في ذلك الموضع قصبة حصينة على اللسان الممتد في البحر أمام سلا، وبأن ينشأ سرب لجريان الماء من عين عبولة، القريبة إلى محلته التي أنشأها، فتم ذلك في بضعة أشهر، وجرى الماء ليستقي منه الناس والدواب وتروى الأرض، وغرست الجنات والرياض، وأذن الخليفة للناس بالسكنى وإنشاء الديار والأسواق. وهكذا قامت مدينة رباط الفتح. وكانت الرباط، منذ عهد عبد المؤمن مركز تجمع الجيوش الموحدية الغازية سواء إلى إفريقية أو الأندلس. ولما تم فتح إفريقية غدت بالأخص مجاز الجيوش المسيرة إلى الأندلس. ولما وصل الخليفة أبو يعقوب إلى مقربة من الرّباط نزل في فحصها مع الوزراء والأشياخ والكبراء، وأمر بأن تُغرس في أركان تابوت مصحف عثمان الأربعة، أربع رايات، رفعت على أربع رماح صغار، في أعلى كل منها تفاحة من الذهب يسطع بريقها الوهاج، وللرايات ألوان أربعة، الخلدى والأحمر، والأصفر والأبيض. ثم اقتعد الخليفة غارب فرسه الأشقر، وسار على النظام الذي سبق وصفه، ومن ورائه حشود الموحدين والعرب وقد ملأت البسائط.

<<  <  ج: ص:  >  >>