للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أشرف على الرباط، أمر بتقديم الطبول والرايات أمامه مع المصحفين تعظيماً لشأنهما، وتبعه الوزراء والأشياخ والكتاب والطلبة، حتى وصل إلى باب المدينة، فرد وجهه للناس واستقبلهم ودعا لهم، وأمرهم بالنزول في السهل الشاسع، ونزل بالدار المعدة لنزوله، وكان وصول الخليفة إلى رباط الفتح في اليوم العشرين من شهر رجب سنة ٥٦٦ هـ، وبذا استغرقت رحلته إليها من مراكش، سبعة عشر يوماً (١).

وأمر الخليفة على أثر وصوله أن تجدد السقاية التي أنشأها والده عبد المؤمن، وكانت قد خربت، وأسن ماؤها، فجددت وأعيدت إلى حالتها الأولى، وأنشىء إلى جانبها صهريج عظيم ليمدها بالماء المتجمع فيه، وكذلك أمر بأن ينشأ جسر جديد فيما بين الرباط وسلا على نهر أبي رقراق، إلى جانب الجسر الذي كان قد أنشأه أبوه، ثم خرب بفعل الزمن، فأقيم جسر عظيم فوق القوارب، وغطى بالحجر والجيار الثابت. وأمر أخيراً بالبدء في بناء أسوار المدينة من جهتي الجنوب والغرب، وهي الأسوار التي أكملت فيما بعد في عهد ولده الخليفة يعقوب المنصور. وفي اليوم الثامن من نزوله أمر بتحرك العساكر، وأن يقام لهم تمييز جديد، وأشرف على تمييز العرب السيد أبو زكريا أخو الخليفة، وأبو محمد عبد الله المالقي لمعرفته بهم وبأنسابهم. ثم وزعت الكسى على الأشياخ من كل قبيل، وعلى طلبة الحضر، والعرب، وخُص كثير منهم بأخبية وخيل عتاق، وكذلك وزعت الصدقات على الضعفاء والمساكين، وقضيت حوائج الناس، ثم اتخذت الأهبات الأخيرة لاستئناف السير.

وفي عشية يوم الجمعة التاسع من شهر شعبان سنة ٥٦٦ هـ، صدرت الأوامر بالحركة، وعبرت الجند البحر إلى سلا فوق الجسر الجديد. وفي صباح اليوم التالي تقدم الشيخ أبو سعيد يخلف بن الحسين بالموحدين حتى تم جوازهم، ثم تلاه السيد أبو زكريا بالعرب، واستغرق جواز العسكر خمسة أيام، وفي الخامس عشر من شعبان غادر الخليفة رباط الفتح، ومعه وزيره ابن جامع، والأشياخ والحفاظ والطلبة والعبيد، بنفس النظام الذي تقدم وصفه، ونزل بالموضع المعروف بالحمام على مقربة من وادي سبُو تجاه ثغر المعمورة، وتلاحق سائر العسكر إلى الوادي، فاجتمع من عسكر الموحدين عشرة آلاف فارس، واجتمع كذلك


(١) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٥٢ أإلى ١٥٤ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>