للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العرب عشرة آلاف فارس، وهذا غير المتطوعة والمجاهدين، فإذا ذكرنا أن الشيخ أبا حفص بن يحيى، كان قد تقدم الخليفة بجيش كبير إلى شبه الجزيرة في أوائل سنة ٥٦٤ هـ، وأن السيد أبا حفص أخا الخليفة، تلاه في جيش كبير آخر عبر إلى شبه الجزيرة في أوائل سنة ٥٦٦ هـ، وهو الجيش الذي اضطلع بمحاربة ابن مردنيش والقضاء على مملكة الشرق، أدركنا ضخامة الجيوش الموحدية التي أعدت للغزو بالأندلس.

ووصل الخليفة في قواته الجرارة إلى قصر مصمودة غربي ثغر سبتة (١)، وبدأ عبور الجند إلى شبه الجزيرة، عن طريق ثغر طريف، في مستهل رمضان من سنة ٥٦٦ هـ (٨ مايو سنة ١١٧١ م) واستمر عبورها أكثر من أسبوعين، وفي اليوم السابع والعشرين من رمضان عبر الخليفة في خاصته، واستقبله في طريف زعماء الأندلس وأكابرها من سائر القواعد، ثم تحرك إلى إشبيلية، ودخلها في يوم الجمعة الثاني عشر من شهر شوال (١٨ يونيه) واستقبله الأشياخ والناس استقبالا حافلا، فاستراح بها عشرة أيام، ثم سار إلى قرطبة في الثاني والعشرين من شوال، فوصل إليها في غرة ذي القعدة (٥ يوليه). ونزلت القوات الموحدية في داخل قرطبة وفي خارجها على ضفتي الوادي، مدة إقامة الخليفة بها، وقد استطالت إلى آخر ذي الحجة سنة ٥٦٦ هـ. وفي يوم عيد الأضحى، خرج الخليفة للصلاة وألقيت الخطبة المعتادة، واحتفل بالنحر، ثم استقبل الأشياخ الموحدين وأبناء الجماعة، وانصرف إلى دار الإمارة. وفي اليوم التالي جلس بالقصر، مجلس السلام والتهنئة، وأقبل أشياخ الموحدين وأبناء الجماعة، وطلبة الحضر، والفقهاء والقضاة والكتاب، وأهل الوفود، وأعيان قرطبة، أقبلوا جميعاً للسلام، وأنشد الشعراء كالعادة مدائحهم وتهانيهم، وكان في مقدمتهم أبو بكر بن المُنخّل، وقد أنشد بين يدي الخليفة قصيدة طويلة أوردها لنا ابن صاحب الصلاة، ومما جاء فيها:

شرّف الخلافة أن ملكتَ زمامها ... يحمي جوانبها فكنتَ حسامها


(١) قال الإدريسي في وصف قصر مصمودة " إنه يقع غرب سبتة على قيد ١٢ ميلا، وهو حصن كبير على ضفة البحر تنشأ به المراكب والحراريق التي يسافر فيها إلى بلاد الأندلس.
وهي على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس " (وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس ص ١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>