للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبع الإله لها حساماً صارماً ... وغدوت من عقد الإمام إمامها

ورأت عداة الله أن حمامها ... من قيس عيلان فكنت حمامها

فعلى رماحك أن تشق صوبها ... وعلى سيوفك أن تفلّق هامها (١).

وفي خلال إقامة الخليفة بقرطبة سُيرت حملة موحدية بقيادة عبد الله بن أبي حفص ابن تفريجين وبعض أشياخ الموحدين نحو أراضي قشتالة، وكان القصد من تسييرها أن تقوم بغارة انتقامية لما ارتكبه القشتاليون بقيادة الكونت نونيو دي لارا من العيث والتقتيل في أراضي المسلمين، قبل ذلك بنحو عامين، فسار الموحدون شمالا، وعبروا نهر التاجُه، وعاثوا في منطقة كبيرة من أراضي قشتالة، وعادوا إلى قرطبة مثقلين بالسبي والغنائم، ونحن نذكر أن الجيوش الموحدية، كانت قبل ذلك ببضعة أشهر، قد سارت بقيادة السيد أبي حفص أخي الخليفة لحصار مرسية ومقاتلة ابن مردنيش في عقر أراضيه، والقضاء على سلطانه في شرقي الأندلس، وذلك حسبما فصلناه من قبل في موضعه، وكانت الأنباء تتوالى على الخليفة، وهو بقرطبة، بما أنزله الموحدون بابن مردنيش من الضربات والهزائم، وما استولوا عليه من بلاده، وبما يؤذن بإحرازهم النصر النهائي في تلك المعركة الحاسمة.

- ٢ -

غادر الخليفة أبو يعقوب يوسف قرطبة، بعد أن أقام بها شهرين، في آخر شهر ذي الحجة سنة ٥٦٦ هـ، قاصداً إلى إشبيلية، فوصل إليها في الثاني من محرم سنة ٥٦٧ هـ (٥ سبتمبر ١١٧١ م)، ويقول لنا ابن صاحب الصلاة، وقد كان شاهد عيان لكل ما تقدم من تنقلات الخليفة، إن الخليفة لم يحتل من دور إشبيلية سوى ستين داراً، وأنه اشترى بها مائة دار من ماله الخاص لتكون منزلا للوافدين إليه، وذلك رفقاً منه بأهل المدينة (٢)، وكانت إشبيلية قد غدت عندئذ قاعدة الحكومة الموحدية بالأندلس، وذلك بعد أن ترددت هذه الحكومة حيناً بين قرطبة وغرناطة وإشبيلية. وكانت إشبيلية بموقعها على مقربة من البحر وعلى مقربة من العدوة، أصلح من الناحية الإستراتيجية من قرطبة، لاستقبال


(١) تشغل هذه القصيدة من " المن بالإمامة " لوحة ١٥٩ ب و ١٦٠ أوب.
(٢) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٥٦ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>