للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيوش الموحدية الوافدة، واستقبال عتادها وذخائرها ومؤنها، ومن جهة أخرى، فقد أثبتت الحوادث، منذ مقدم الموحدين إلى شبه الجزيرة، أن تيار الغزو النصراني للأندلس، قد تحول إلى ناحية الغرب، وأن قيام مملكة البرتغال الجديدة، واشتداد ساعدها، قد نقل الصراع الرئيسي بين إسبانيا المسلمة، وإسبانيا النصرانية إلى هذه الناحية من شبه الجزيرة، وهذا ما أيدته في الأعوام الأخيرة، معارك بطليوس، وغزوات ألفونسو هنريكيز، وهذا ما سوف تؤيده الحوادث فيما بعد، وهو مما يدل على بعد نظر السياسة الموحدية في هذا الشأن. وأخيراً فقد كانت إشبيلية، بعد الذي أصاب قرطبة عاصمة الخلافة القديمة، من ضروب التخريب والعفاء منذ أيام الفتنة، ومختلف الحروب والثورات، كانت أرقى عمراناً، وأوسع رحاباً، ولاسيما منذ أيام بني عباد، حيث غدت أعظم حواضر الأندلس وأجملها. ولهذا كله اختار الموحدون أن تكون إشبيلية حاضرتهم وقاعدة حكومتهم بالأندلس.

وما كاد الخليفة يصل إلى إشبيلية، حتى أمر بعزل محمد بن سعيد المعروف بابن المعلم، وكان يتولى أعمال المخزن أو إدارة الشئون المالية بإشبيلية والأندلس، وأُمر بالسير إلى قرطبة لمحاسبته، والتحقيق في سير أعماله، وكانت قد علقت به وبتصرفاته في تنفيذ المنشآت والمشاريع العامة ريب كثيرة، وندب لمحاسبته الفقيه أبو محمد المالقي والكاتب أبو الحكم بن عبد العزيز، وانتهى الأمر باستصفاء أمواله، ثم إعدامه فيما بعد. وقدّم الخليفة مكانه على أعمال إشبيلية، أبا داود بلول ابن جلداسن. وقد كان للخليفة عند حلوله بإشبيلية برنامج ضخم من الأعمال الإنشائية، سوف يضطلع بلول، وزير المال الجديد، في تنفيذه بأعظم قسط.

وكان أول ما أشار به الخليفة من تلك الأعمال بناء قنطرة عظيمة على نهر الوادي الكبير، تصل ما بين إشبيلية وطريق طُريانة، ضاحيتها الغربية، وتيسر سبل المواصلات في اتجاه الغرب، فحشد لها العرفاء والصناع، وتم إنشاؤها في نحو شهر، في السابع من صفر سنة ٥٦٧ هـ، وحضر الخليفة يوم إكمالها وافتتاحها، في حفل ضخم، رفعت فيه البنود وقرعت الطبول. وينوه ابن صاحب الصلاة بما كان لإنشاء هذه القنطرة العظيمة من حسن الأثر، وما حققته للناس من يسر ورخاء، إذ كان المرور بها دون قبالة أو رسوم.

وفي خلال ذلك، حضر السيد أبو حفص أخو الخليفة من حصن مرسية،

<<  <  ج: ص:  >  >>