للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك قبل وفاة ابن مردنيش وانقضاء أمره بأشهر قلائل، فاستقبله الخليفة خارج إشبيلية، باحتفال بالغ. واجتمع الأخوان للبحث فيما يجب عمله لحماية الأندلس ورد عدوان النصارى عنها. وكان أول ما تقرر في ذلك أن ترسل حملة ضاربة من الموحدين تحمل الميرة والعتاد والمرافق اللازمة لمدينة بطليوس، فخرجت هذه الحملة في الثامن من شهر صفر، وجازت فوق القنطرة الجديدة إلى طريانة، فكانت أول عسكر يجوز عليها، وسارت إلى بطليوس. فلما اقتربت من المدينة، هاجمت حصن ليون الواقع على مقربة من شرقي بطليوس على ضفة وادي يانه، وكانت تحتله حامية من النصارى من جند جيرالدو سمبافور، واقتحمته عنوة، وأوصلت حمولتها من الميرة والسلاح إلى بطليوس، ثم عادت سالمة إلى إشبيلية.

ولما كللت حملة مرسية بالنجاح، وتوفي ابن مردنيش، وانتهت مملكة الشرق، قَدِم هلال بن مردنيش وأكابر الشرق إلى إشبيلية، في مستهل رمضان سنة ٥٦٧ هـ، وقدموا خضوعهم وطاعتهم للخليفة، وذلك حسبما فصلناه من قبل في موضعه.

وقد استطالت إقامة الخليفة أبي يعقوب يوسف بإشبيلية والأندلس زهاء خمسة أعوام، وبالرغم من أنه قام خلال إقامته بغزو أراضي النصارى، وذلك تحقيقاً لمشروعه الرئيسي في العبور إلى الأندلس، فإن أهم ما تميزت به تلك الفترة، هو اضطلاعه بالأعمال الإنشائية العظيمة بمدينة إشبيلية، وهي التي بدأها ببناء القنطرة على الوادي الكبير. والظاهر أن أبا يعقوب، كان يحبو هذه المدينة العظيمة، التي أنفق فيها أعواماً عديدة من شبابه حاكماً لها أيام أبيه عبد المؤمن، بكثير من الحب والإعجاب، ومن ثم فإنا نراه يعمل بهمة عظيمة على تحصينها وتجميلها، وتزويدها بالمنشآت الفخمة، والمياه الجارية. وكان أول ما عنى به بعد إنشاء القنطرة، هو إنشاء القصور الخليفية المعروفة " بالبحيرة ". وكانت إشبيلية تزدان بعدد من القصور الملكية، هي قصور بني عباد السالفة، وكانت ما تزال، في هذا العصر، بعد أكثر من مائة عام، تحتفظ بكثير من روعتها وفخامتها، ولكن الخليفة الموحدي، لم يرق له أن يتخذ من تلك القصور مقامه، واكتفى بتخصيصها لنزول الأمراء والكبراء الوافدين. وكان السيد أبو حفص، أخو الخليفة، قد ابتنى خلال زياراته لإشبيلية بعض الدور في وادي إشبيلية خارج باب الكُحل، فرأى الخليفة أن يقيم قصوره خارج باب جهور، في أرض الجنان المنسوب

<<  <  ج: ص:  >  >>