للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأبي مسلمة القرطبي بعد أن عوض أصحابه جناناً في مكان آخر. وأقيمت في هذا الموضع طائفة من القصور والدور الفخمة للخليفة وحاشيته. وقام على إنشائها العريف أحمد بن باسُه عريف الأندلس، والخبير بشئون القصور، فجاءت على أبدع طراز، وأقيمت حولها من جميع الجهات أسوار من الجيار والرمل والحصى. وعهد الخليفة إلى أبي القاسم أحمد بن محمد الحوفي القاضي، وأبي بكر محمد ابن يحيى الجد، لما عرف عنهما من الأمانة والخبرة الهندسية والزراعية، أن يقوما بإنشاء بستان عظيم حول هذه القصور من أموال المخزن (الأموال العامة) تُجلب إليه الغراس من الزيتون والأعناب والفواكه وسائر الأنواع النادرة الغريبة من الأشجار والغراس، فقاما بتنفيذ أمره، وعُوّض أهل الأراضي التي أدخلت في البستان عن أراضيهم تعويضاً مرضياً. وعهد بأعمال الحفر والغراس إلى أبي داود بلول بن جلداس، متصرف إشبيلية وأعمالها وأمين الخليفة، وجلبت إلى البستان آلاف الغراس والأشجار من مختلف الأنحاء، وغُرست فيه على أجمل نسق. وحملت غراس التفاح والأجاص (الكمثرى) وغيرها من غرناطة ووادي آش، وكان الوزير أبو العلاء بن جامع وابنه يحيى يلازمان الجلوس للإشراف على العمل من الصباح إلى المساء، وكان الخليفة يخرج من قصره بإشبيلية مع أعيان الموحدين لمشاهدة الأعمال الجارية ومدى تقدمها. ويفيض ابن صاحب الصلاة كعادته في وصف هذه القصور وجمالها وفخامتها (١).

وكانت الخطوة التالية بعد إنشاء القصور والبستان، النظر في استجلاب الماء لتوفير السقاية والري. وكان يوجد خارج باب قرمونة، على الطريق المتجه إلى قرمونة، أطلال قنطرة رومانية قديمة، قد درست وعفت، ولم يبق منها سوى حجارتها المتساقطة. فقام المهندس الأندلسي البارع الحاج يعيش المالقي، وهو الذي تولى الإشراف على أعمال جبل طارق، بالحفر حول هذا الأثر، حتى تحقق لديه، أنه كان قنطرة رومانية تحمل الماء من سرب قديم إلى إشبيلية، ثم تتبع السرب بعد ذلك بالحفر حتى انتهى إلى مأخذه القديم من الوادي على مقربة من قلعة جابر (٢)، وتم إجراء الماء من ذلك الموضع في سربه القديم إلى البحيرة،


(١) المن بالإمامة لوحات ١٦١ ب و ١٦٢ أوب و ١٦٣ أ.
(٢) وهي تقع في جنوب شرقي إشبيلية على قيد نحو عشرة كيلومترات منها، ومكانها اليوم البلدة الإسبانية الصغيرة التي تسمى ( Alcala de Guadaira) .

<<  <  ج: ص:  >  >>