للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تجدر ملاحظته بهذه المناسبة أن الموحدين في بداية أمرهم لم يعنوا بزخرفة المنشآت والصروح، ولاسيما المساجد، معتبرين هذا الزخرف من الأمور المكروهة من الناحية الدينية، وكان كل ما يراعى في هذه الصروح هو البساطة والمتانة.

بيد أنه لما استحالت الخلافة الدينية من بعد عبد المؤمن إلى ملك باذخ، وبلاط يمتاز بالفخامة والروعة، بدأ زخرف الصروح الموحدية وتجميلها بوفرة وسخاء، فكان منبر جامع إشبيلية المرصع بصفائح الذهب والفضة، وكان تزويد صومعته التي أنشئت فيما بعد بتفافيحها الذهبية الثقيلة (١).

وسنرى فيما بعد، كيف أنشئت منارة هذا الجامع، وهي المنارة الشهيرة التي ما زالت قائمة حتى عصرنا في مدينة إشبيلية، بعد أن حول جزؤها الأعلى إلى برج للأجراس لكنيسة إشبيلية العظمى.

- ٣ -

ذكرنا فيما تقدم أنه لما وفد هلال بن مردنيش وأكابر الشرق وقادته على إشبيلية في مستهل رمضان سنة ٥٦٧ هـ، ليقدموا خضوعهم وطاعتهم للخليفة أبي يعقوب، اقترح قادة الشرق، وفي مقدمتهم شيخهم أبو عثمان سعيد بن عيسى، على الخليفة أن يقوم بغزو أراضي النصارى من جهة بلادهم، وعينوا له بالذات مدينة وبذة هدفاً لهذا الغزو، وذلك لضعف تحصيناتها وأسوارها، ولأنها حسبما ينقل إلينا ابن صاحب الصلاة " حديثة البنيان قريبة الإسكان " (٢) أو بعبارة أخرى لم يتأثل عمرانها، ولا أهباتها الدفاعية، وأن الخليفة وعدهم في نفس هذا المجلس بتحقيق رغبتهم متى انتهى شهر الصوم (٣). وإنه ليبدو لنا من ذلك أن الخليفة حينما عبر إلى الأندلس بقصد الغزو والجهاد لم يكن لديه مشروع معين لهذا الغزو، ومن ثم كان قبوله لاقتراح قادة الشرق.

وعلى أي حال، فقد اتخذ الخليفة أهبته لتلك الغزوة، وخرج في قواته من إشبيلية في فجر يوم الاثنين الحادي عشر من شوال سنة ٥٦٧ هـ (٦ يونيه سنة ١١٧٢ م)، فوصل إلى قرطبة في السابع عشر منه، وأقام محلته في جبل


(١) وقد أبدى العلامة جولدسيهر مثل هذه الملاحظة في بحثه Materialien zur Kenntniss der Almohaden Bewegung (Z. der Morgeni. Geselsch. ١٨٨٧; p. ١٠٥)
(٢) المن بالإمامة لوحة ١٦٦ أ.
(٣) المن بالإمامة لوحة ١٦٦ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>