للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحص السرادق المطل على براح أرض مدينة الزاهرة القديمة، وفي اليوم التالي

دخل قصر قرطبة القديم، وأقام به بضعة أيام. ثم غادر قرطبة في ظهر اليوم الخامس والعشرين من شوال، وسار في قواته صوب مدينة القصر (١)، فأندوجر ثم اتجه نحو الشرق حتى صار على مقربة من بياسة، وهنالك لحق به إبراهيم ابن همشك، وكان على حصار حصن بلج (٢) القريب من بياسه، وكان من أعظم وأمنع حصون هذه المنطقة. وكان هذا الحصن من أملاك ابن همشك، فلما وقع الخلاف بينه وبين صهره ابن مردنيش، من جراء انضوائه تحت لواء الموحدين، استولى ابن مردنيش على هذا الحصن، ووضع به حامية من جنده المرتزقة النصارى، وكان ابن همشك يحاصره بقواته حينما قدم الخليفة في جيشه الضخم، فاقترح عليه ابن همشك أن يسير في الحال إلى الحصن لحصاره والاستيلاء عليه، فاستجاب الخليفة إلى دعوته، وسارت القوات الموحدية صوب الحصن، ونزلت في ظاهره، وعاين الموحدون ضخامته ومنعته، وروعت حاميته النصرانية بما شهدت من كثرة الجيوش الموحدية، فاستدعوا ابن همشك ورجوه أن يتوسط لهم لدى الخليفة ليمنحهم الأمان مقابل تسليم الحصن، فقام ابن همشك بتحقيق رغبتهم ووافق الخليفة، ورأى في تسليم الحصن فاتحة النجح والنصر، وتم تسليم الحصن في يوم السبت ٣٠ شوال، وركب الخليفة إلى الحصن، وراقته ضخامته ومنعته، ورتب به حامية موحدية، وصرف أمره إلى ابن همشك. وفي اليوم الثاني من شهر ذي القعدة سار الخليفة في قواته شمالا نحو حصن الكَرَس (٣) وكان ابن مردنيش قد فعل به ما فعل بحصن بلج، وسلمه إلى حامية من النصارى. وكان هذا الحصن يقع فوق ربوة عالية يحيط بها الماء والبسائط الخضراء، فلما اقترب منه الموحدون، عرض النصارى تسليمه بالأمان، على نحو ما تم بحصن بلج، فأجيبوا إلى مطلبهم، ونزلوا عن الحصن، وذلك في اليوم السادس من ذي القعدة، وصرف أمره كذلك إلى ابن همشك.

ويصف لنا ابن صاحب الصلاة، وقد كان من مرافقي هذه الحملة الموحدية (٤)، سير الحملة وتنقلاتها بإفاضة، ويقول لنا إنه بعد الاستيلاء على هذين الحصنين، سار


(١) وهي بالإسبانية Alcocer.
(٢) وهو بالإسبانية Vilches.
(٣) وهو بالإسبانية Alcaraz.
(٤) وهو يذكر لنا ذلك في أكثر من موطن، " المن بالإمامة " لوحة ١٧٧ أ، ١٧٨ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>