إخوته خلفه، ووصل الخليفة في ركبه الضخم إلى سلا في الثالث عشر من ذي القعدة، ونزل بمدينة المهدية (رباط الفتح)، وهنالك وفد عليه أبو محمد ابن أبي إسحاق بن جامع قادماً من إفريقية، فأخبره أن السلام يسودها، وأن العرب الذين يخشى من شغبهم، قد فروا من البلاد بأهلهم، حينما سمعوا بحركة الغزو، وبذلك أمن شرهم واستتبت السكينة والأمن.
وفي أثناء ذلك وصل شيوخ العرب المنضمون للحملة بجميع قبائلهم، فصدر أمر الخليفة بالإنعام عليهم بالكسى والبركات والصلات الجزيلة. وتعهد الأشياخ بأن يساهموا في هذه الغزوة بمائة وثلاثين ألفاً ما بين فارس وراجل.
ثم أمر الخليفة باجتماع شيوخ الموحدين والعرب والقادة في مؤتمر عام، وخرج إليهم ولده أبو يوسف المنصور، وأبلغهم أن أمير المؤمنين يطلب رأيهم ويستشيرهم في أمر توجيه هذه الحملة، هل توجه إلى إفريقية أم توجه إلى الأندلس، فكان رأيهم بالإجماع أن توجه إلى الأندلس لغزو النصارى والجهاد في سبيل الله، فأبدى الخليفة ارتياحه لهذا الرأي (١). ومعنى ذلك أن الخليفة، حين خروجه من مراكش لم يكن لديه رأى حاسم في شأن الغزوة التي ينوي القيام بها، وهذا في ذاته يكشف لنا جانباً من ضعف الخطط العسكرية الموحدية.
وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي القعدة، بدأت العساكر في الجواز على قنطرة سلا، وفي اليوم الثلاثين غادر الخليفة في موكبه، رباط الفتح إلى مكناسة، فوصلها في السادس من ذي الحجة، وقضى بها عيد الأضحى، ثم غادرها إلى فاس، وكانت قد ترامت إليه الأنباء عن خيانة مشرفها وعمالها المختلفين، واختلاساتهم، فأمر بالقبض عليهم جميعاً، ومصادرة دورهم وأموالهم لحساب " المخزن "، وألزموا بأن يردوا " للمخزن " أربعمائة ألف وستين ألف دينار، تعهدوا بأدائها أقساطاً، ورتب عليهم الرقباء حتى قاموا بأدائها.
وفي الثاني عشر من ذي الحجة، أمر الخليفة بأن يتقدم العسكر قبيلتا هنتانة وتينملّل برسم الجواز إلى الأندلس، وبأن يتقدم ولده السيد أبو حفص على طوائف العرب، وأن يشرف على جوازهم إلى الأندلس، ثم قدّم على قبائل الموحدين وحشودهم، بعض السادات من الأبناء والإخوة، وكتب إلى الولاة
(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٣٠، وكذلك في روض القرطاس ص ١٣٩.