للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاله، واستمر كتمان وفاة الخليفة الراحل، بيد أنه كفن وأدرج في تابوت، حتى وصل الركب إلى إشبيلية، وذلك بعد نحو شهر من بداية انسحاب الجيش وعبوره لنهر التاجُه.

واستراح أبو يوسف يعقوب بإشبيلية ثلاثة أيام، تلاحقت خلالها الحشود، ووصلت جموع العرب والموحدين وسائر الطوائف الأخرى، ونزلت في أكناف إشبيلية، ودعى الناس خاصتهم وعامتهم، لتقديم البيعة، وأعلنت وفاة الخليفة الراحل، وغصت القصبة بوجوه القوم من موحدين وغيرهم، وأخذت البيعة للخليفة الجديد مدى يومين هما وفقاً لقول صاحب البيان غرة وثاني جمادى الأولى (١) وأغدق الخليفة بهذه المناسبة صلاته على قرابته وأهل بيته، وخص أخاه السيد أبا زيد بهبة جليلة قدرها عشرة آلاف لما بذل في خدمته، وتنظيم بيعته.

وقد تمت بيعة الخليفة أبي يوسف في هدوء وسلام، ودون أية معارضة، أولاً لأن أباه الخليفة الراحل أبا يعقوب كان قد خصه بولاية عهده أثناء حياته، وإن لم تقدم لنا الرواية تاريخ هذا التعيين (٢)، وثانياً لأنه كان أكبر أولاده (٣)، فكان هذا الاعتبار في ذاته مبرراً لتقديمه، وذلك خلافاً لما كان عليه أبوه الخليفة أبو يعقوب بن عبد المؤمن حيث قدم للخلافة مع وجود شقيقه الأكبر السيد أبي حفص، وذلك تتفيذاً لوصية أبيه.

ولما كمل أمر البيعة، وشملت سائر أنحاء الأندلس، وسائر الطبقات، وتم تنظيم شئون الأندلس، دعا الخليفة في اليوم الرابع والعشرين من جمادى الأولى (٢ سبتمبر سنة ١١٨٤ م) أشياخ الموحدين والعرب، وشيوخ الوفود من سائر القواعد، وأذن بالحركة وانقضاء الغزو، والتأهب للرحيل، وكتب بذلك لسائر البلاد والقبائل من المجاهدين والمسافرين، وقدم القائد أبو العباس الصقلي إلى ثغر طريف، في ثلاث عشرة سفينة لنقل الخليفة وخاصته وجيشه، وتقدمت سفينتان


(١) وهذا التاريخ لا يتفق مع سير الأحداث والتواريخ السابقة. فقد كانت وفاة الخليفة وفقاً لنفس المؤرخ في ١٨ ربيع الثاني سنة ٥٨٠ هـ، وقد استغرق وصول الجيش المنسحب مدى شهر.
وإذاً فقد كان من المنطق أن تكون البيعة في نحو منتصف شهر جمادى الأولى لا في غرته (البيان المغرب القسم الثالث ص ١٣٨ و ١٤٢).
(٢) المعجب للمراكشي ص ١٤٧.
(٣) الحلل الموشية ص ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>