للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالانتقال إلى رباط الفتح بمياه سلا. وفي فجر اليوم التالي، خرج أهل الأندلس إلى بحيرة الوادي في جموع حاشدة، وضربت قبة الخليفة على شاطىء النهر (الوادي الكبير)، ونظم الموكب الخليفي، يتقدمه المصحف الكريم، وسار الخليفة في ضحى اليوم، فنزل بقرية طريانة قبالة إشبيلية، ثم غادرها إلى شريش، تتبعه الجيوش، ثم إلى مدينة شذونة، أو مدينة ابن السليم (١)، حيث التقى بالسيد أبي زكريا ابن أخيه السيد أبي حفص قادماً من تلمسان مع أعيان عرب زغبة، ومعه سبعمائة جواد معونة لأهل الأندلس. وسار الخليفة بعد ذلك جنوباً صوب الشاطىء حتى وصل إلى الموضع المسمى بحجر الإيل (٢)، وهي ربوة تقع على مقربة من طريف، وقد اجتمع الأسطول على طول الشاطىء، على قدم الأهبة لنقل الخليفة وجيشه، وفي اليوم السابع من جمادى الآخرة سنة ٥٨٠ هـ (١٢ سبتمبر) ضربت قبة الخليفة، وقام أهل الأندلس بتحية الوداع، وكذلك ودع الخليفة إخوته الذين قدّمهم للولاية بالأندلس، وهم أبو إسحاق وأبو زيد وأبو يحيى.

وفي ضحى نفس اليوم ركب الخليفة البحر، وأمام سفينته مصحف عثمان، ونزل بقصر مصمودة، أو القصر الصغير، قبالة ثغر طريف من البوغاز، واستراح هنالك ريثما تم جواز سائر الجيش. ثم غادر القصر إلى رباط الفتح، وهنالك تسمى لأول مرة بأمير المؤمنين، وكان منذ بيعته يكتفي بلقب " الأمير يعقوب "، وكتب في الحال بذلك إلى بلاد الأندلس. وتلقاه في الرباط، أبو عبد الله بن واجاج في وفود العرب وأهل فاس ومكناسة وعمالهم، وأقال إبراهيم بن إسماعيل من عمل فاس، وأمر سائر العمال بالمثول إلى الحضرة، وقام بدفن أبيه أمير المؤمنين أبي يعقوب مؤقتاً بدار الخليفة بالرباط، ثم نقل منها بعد ذلك ودفن بتينملل إلى جانب أبيه عبد المؤمن والمهدي ابن تومرت (٣). وغادر الخليفة بعد ذلك رباط الفتح إلى حضرته مراكش (٤).

- ٣ -

كان الخليفة أبو يعقوب يوسف من أعظم خلفاء الدولة الموحدية، وبالرغم


(١) وهي بالإسبانية Medina Sidonia
(٢) وهي بالإسبانية La Pena del Cierro
(٣) روض القرطاس ص ١٤١، والحلل الموشية ص ١٤٣.
(٤) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>