للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على النظر في الأمور، وكان عارفاً بالشئون المالية، ضابطاً لخراج مملكته (١)، وربما كانت هذه المقدرة في فهم الشئون وتدبيرها راجعة بالأخص إلى ممارسته إياها ردحاً من الزمن قبل توليه الخلافة أيام أن كان والياً لإشبيلية، وقائماً بشئون الأندلس.

وقد تجلى هذا الحزم في حكم أبي يعقوب في شدة عنايته بقمع أية نزعة إلى الخروج والعصيان، والسير بنفسه إلى مقاتلة الخوارج، وذلك كما حدث عند فتنة غمارة، ثم فتنة صنهاجة، وحين ثورة قفصة، وغيرها مما سبق أن فصلناه في مواضعه.

والخلة الثانية التي امتاز بها الخليفة أبو يعقوب يوسف، هي شغفه بالجهاد في سبيل الله، وقد ظهر أثر هذا الشغف بالجهاد من الناحية النظرية فيما ألفه أبو يعقوب في فضل الجهاد، مما نذكره بعد؛ وظهر من الناحية العملية في عنايته بحشد الجيوش العظيمة وتمويلها، ثم قيادتها في حملتيه العظيمتين إلى شبه الجزيرة الأندلسية. وبالرغم من أن الخليفة أبا يعقوب لم يكن موفقاً في حملتيه المذكورتين، وقد سجل فشله الأول تحت أسوار وبذة، ثم سجل فشله الثاني أمام أسوار شنترين، وبالرغم من أن الحملتين لم تكونا بعيدتين عن تحقيق الأغراض العسكرية والإقليمية، فإن مقصد الجهاد كان هو النزعة المسيرة لهما، وقد ذهب الخليفة ضحية هذه النزعة واستشهد في ميدان الجهاد.

وكان أبو يعقوب إلى جانب ذلك ملكاً عظيماً " شديد الملوكية " على حد قول المؤرخ، بعيد الهمة، وافر البذل والجود، عمت صلاته وأعطيته سائر الطوائف. ويصفه ابن الخطيب بأنه كان " آية الموحدين في الإعطاء والمواساة، وفي أيامه ساد الرخاء واستغنى الناس، وكثرت في أيديهم الأموال " (٢).

على أن ألمع وأعظم خلة كان يتسم بها أبو يعقوب، هو علمه وأدبه، وقد أفاضت الروايات المعاصرة واللاحقة في التنويه بمواهبه العلمية والأدبية، ويجمل ابن صاحب الصلاة وهو المؤرخ المعاصر، العارف بشخص أبي يعقوب وخلاله، مواهبه العلمية، في تلك الفقرة: " كان الأمير أبو يعقوب يوسف رضي الله عنه كاملا فاضلا عدلا ورعاً جَزْلا مستظهراً للقرآن، حافظاً له، عالماً بالحديث،


(١) ابن خلكان ج ٢ ص ٤٩٠.
(٢) المعجب ص ١٣٣، وابن الخطيب في الإحاطة مخطوط الإسكوريال لوحة ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>