للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أئمة التفكير الإسلامي، هم طبيبه الخاص، الفيلسوف العلامة أبو بكر بن طفيل الوادي آشي، وتلميذه القاضي الفيلسوف أبو الوليد بن رشد (١)، والطبيب العبقري أبو بكر بن عبد الملك بن زهر. وكان الخليفة يشغف بالأخص بملازمة صديقه وطبيبه ابن طفيل، ولا يصبر على فراقه. وهكذا أتيح لأبي يعقوب أن يطلق العنان لشغفه بالدراسات الفلسفية في ظل هذا الأفق العلمي الباهر، ويبدو مما يذكره لنا المراكشي، عن بعض مجالس الخليفة الفلسفية نقلا عما رواه له أبو بكر ابن يحيى القرطبي عن أستاذه ابن رشد، أن الخليفة كان يأخذ من الفلسفة بقسط ملحوظ، ويبدي في شرح مسائلها " غزارة حفظ " تدعو إلى الإعجاب. ويضيف القرطبي إلى ذلك رواية أخرى مفادها أن أبا يعقوب هو الذي أوعز إلى ابن طفيل بوجوب عمل تلخيص جديد لشروح أرسطو وتقريب أغراضها وتحرير تراجمها مما يشوبها من الغموض، وأن ابن طفيل هو الذي اختار تلميذه ابن رشد للقيام بهذه المهمة لما يعلمه من مقدرته وقوة نزوعه وصفاء قريحته، وأن هذا هو الذي حمل ابن رشد حسبما يقول لنا، على القيام بتلخيص شروح أرسطو، وهي الشروح التي اشتهر بها ابن رشد، وترجمت فيما بعد إلى اللاتينية، وأذاعت شهرة الفيلسوف المسلم في دوائر التفكير الغربي. وكان ابن طفيل يقوم بمهمة السفارة بين الخليفة وبين العلماء، ويدعوهم إليه من مختلف القواعد والأقطار، وينبه على أقدارهم لديه، ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نوه بفضل ابن رشد وبراعته (٢).

وحمل الخليفة أبو يعقوب شغفه بالدراسات الفلسفية على الاهتمام بجميع كتبها، والتنقيب عنها، وعن غيرها من الكتب الجليلة، في سائر أنحاء المغرب والأندلس، وبذل في ذلك جهوداً وأموالا جمة، واجتمع له منها مقادير ضخمة قيل إنها بلغت قرب ما كانت تبلغه المكتبة الأموية العظيمة أيام الحكم المستنصر. ويروي لنا المراكشي طرفاً من هذه الجهود، وكيف وقع عمال الخليفة على مجموعات عظيمة من كتب الطب والفلك كانت لدى رجل بإشبيلية يعرف بأبي الحجاج المراني، وأن هذه الكتب كانت قد وقعت إلى أبيه أيام الفتنة بالأندلس (٣).


(١) كان ابن رشد قاضياً لإشبيلية منذ سنة ٥٦٥ هـ.
(٢) راجع المراكشي في المعجب ص ١٣٦.
(٣) المعجب ص ١٣٣ و ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>