للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انتهى إلينا من آثار الخليفة أبي يعقوب العلمية، بحث ديني يكشف لنا عن براعته في علم الحديث والعلوم الشرعية، وهو كتاب " الجهاد " الذي ألحق بكتاب المهدي ابن تومرت أو كتاب " أعز ما يطلب " وفيه يورد مؤلفه طائفة كبيرة من الأحاديث التي وردت في فضل الجهاد في سبيل الله، والحث عليه، وتبيان محاسنه. ويلحق بذلك الكلام عن الجهاد ببذل المال وما ورد فيه أيضاً من الأحاديث وما يتسم به من الفضائل. ويحمل هذا الكتاب في خاتمته اسم مؤلفه، وهو الخليفة أمير المؤمنين، وتاريخ الانتهاء من وضعه، وهو العشر الأواخر من شعبان سنة تسع وسبعين وخمسمائة أعني قبيل وفاة واضعه بنحو تسعة أشهر (١).

وكان الخليفة أبو يعقوب كلفاً بالمشاريع الإنشائية العظيمة، وقد قام بإنشاء طائفة من المنشآت العمرانية الهامة، والصروح الجليلة، التي خلدت اسمه، وجعلته في مقدمة خلفاء الموحدين، بل وفي مقدمة ملوك المغرب قاطبة في هذا الميدان. ويكفى أن نذكر هنا ما قام به في إشبيلية حاضرة الأندلس، من المشاريع والمنشآت العظيمة مثل قنطرة طريانة، ومسجد إشبيلية الجامع، وصومعته العظيمة التي أتمها ولده يعقوب المنصور، ومشروع إمداد إشبيلية بالماء، وتجديد أسوارها التي خربها السيل، وإنشاء القصور والبساتين الموحدية العظيمة خارج إشبيلية، وإنشاء قصبة بطليوس العظيمة وإمدادها بالماء، وهي التي ما زالت أطلالها القائمة تنبىء عما كانت عليه من الضخامة والمنعة. وما قام به أخيراً من توسيع حضرة مراكش وتجميلها، وذلك كله حسبما سبق أن فصلناه في مواضعه.

...

وتولى الحجابة لأبي يعقوب أول ولايته، شقيقه وكبيره السيد أبو حفص، ولما تنحى عنها وزر له أبو العلاء إدريس بن إبراهيم بن جامع، واستمر في منصبه نحو خمسة عشر عاماً. ولما اشتد طغيانه، وبدت مثالبه، نكبه أبو يعقوب واستصفى أمواله، ونفاه مع ولده إلى الأندلس سنة ٥٧٣ هـ. فخلفه في الوزارة أبو بكر ابن يوسف الكومي، ليعمل تحت رياسة ولده وولى عهده أبي يوسف يعقوب، واستمر الأمر كذلك حتى وفاة أبي يعقوب وقيام ولده يعقوب بالأمر من بعده (٢).


(١) راجع فصل الجهاد في كتاب المهدي ابن تومرت ص ٣٧٧ - ٤٠٠.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٤٠، وابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة الخليفة أبي يعقوب، مخطوط الإسكوريال لوحة ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>