أمرائها السابقين، وراسله جماعة من أهلها، وكان يعتمد فوق ذلك على مؤازرة بعض طوائف العرب من بني هلال ورياح والأثبج. ونحن نذكر ما حدث قبل ذلك بأعوام قلائل من ثورة بني الرند في قفصة، وقيام الخليفة أبي يعقوب بإخماد هذه الثورة (سنة ٥٧٦ هـ)، وإسناده عندئذ ولاية إفريقية لأخيه السيد علي أبي الحسين، وولاية بجاية والزاب لأخيه السيد أبي موسى عيسى، وما حدث بعد ذلك بقليل من ثورة عرب بني سُليم على مقربة من قابس، وأسرهم للسيد أبي الحسين وأصحابه عندما تصدوا لمقاومتهم، ثم إطلاق سراحهم لقاء فدية كبيرة. وكان تكرار هذه الحوادث وأمثالها، مما يشجع بني غانية على اختيار هذه المنطقة بالذات مسرحاً لمغامراتهم ضد الموحدين.
وحشد علي بن إسحاق الملقب بالميورقي أسطولا صغيراً من اثنين وثلاثين سفينة تحمل نحو مائتي فارس وأربعة آلاف راجل، تحت إمرة القائد رشيد النصراني، واستخلف على ميورقة عمه أبا الزبير. وسار مع إخوته في سفنه صوب بجاية، فوصلت بسلام إلى مقربة من الميناء. وكان كل شىء في المدينة هادئاً، ولم يخطر ببال أحد من أهلها أن الغزاة على الأبواب. ودفع القائد رشيد رجاله في زورق إلى أسفل الأسوار للاستخبار والتحري، وكان والي المدينة السيد أبو الربيع سليمان عم الخليفة خارج المدينة وعلى مقربة منها راحلا إلى الحضرة، وقد حل بها السيد أبو موسى مع بعض أصحابه في طريقه إلى تلمسان، ولم يك ثمة أية أهبات دفاعية يعتد بها. فتقدمت السفن المهاجمة من المدينة. واحتشد رهط كبير من الغزاة في مكان معين قبالة الأسوار، كان متفقاً على اختياره لاقتحام المدينة مع الضالعين مع الغزاة، وتدلى بعض هؤلاء من الأسوار ليدلوا الغزاة على عورات السور، وثغرات الدفاع. واجتمعت جماعة من أهل البلد لمقاومة الغزاة دون قائد يجمع شملهم، ودون استعداد، وقد تخاذل الرؤساء وأولو الأمر، فسلط الميورقيون عليهم القسيّ والسهام ففتكت بهم. ثم تقدم الفرسان والمشاه، واقتحموا المدينة من ثلمات السور، واستولوا عليها، وقبضوا على السيد أبي موسى وآله وعلى سائر الموحدين الذين يخشى بأسهم. وكان سقوط بجاية على هذا النحو في يد علي بن إسحاق الميورقي في السادس من شهر شعبان سنة ٥٨٠ هـ (١٣ نوفمبر سنة ١١٨٤ م)(١).
(١) المعجب ص ١٥٣، والكامل لابن الأثير ج ١١ ص ١٩١، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٢٩. ويأخذ ألفرد بل بهذا التاريخ Les Benou Ghania, p. ٤٢. ولكن صاحب البيان =