للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقام علي بن غانية أسبوعاً في بجاية ينظر في شئونها، وصلى بها الجمعة، ودعا في الخطبة لبني العباس، وللخليفة العباسي أحمد الناصر، وكان خطيبه يومئذ هو خطيب بجاية الفقيه المحدث والأديب الشاعر، أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي الإشبيلي صاحب كتاب " الأحكام " وغيره. وكان الخليفة أبو يوسف يعقوب، حينما بلغه موقفه يزمع قتله والاقتصاص منه. ولكنه توفي غير بعيد ونجا من نقمته (١).

وترك علي بن غانية النظر على بجاية لأخيه يحيى بمعاونة رشيد الرومي، وخرج من فوره لمطاردة واليها السيد أبي الربيع، وكان ما يزال على مقربة من بجاية، فلحق به بموضع يعرف بياميلول، وكان معه رهط من الأعراب الموالين للموحدين فانخذلوا كعادتهم عند الشعور بالهزيمة، وانضموا إلى ابن غانية، وهزم السيد أبو الربيع، وقتل عدد من رجاله، وسقطت محلته بأسرها في يد العدو، وفيها أهله وأمواله، ولكنه استطاع الفرار إلى الجزائر، ومنها إلى تلمسان، فنزل بها على واليها السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن، وأخذا في تحصينها، والاستعداد في الدفاع عنها (٢).

وتابع علي بن غانية زحفه المظفر صوب الجزائر فدخلها، وقدم عليها يحيى ابن أخيه طلحة، ثم سار إلى مليانة ومازونة ثم إلى أشير والقلعة (قلعة بني حماد) واستولى عليها جميعاً، واستباح أهلها، واستصفى أموالهم. وكانت مليانة، وهي أهم هذه البلاد، في الأصل مدينة رومانية، جددها زيري بن مناد الصنهاجي وحصنها، وكانت في ذلك الوقت حسبما يصفها لنا الإدريسي، مدينة قديمة البناء، حسنة البقعة، نضرة المزارع، ولها نهر يروي معظم مزارعها وجناتها، قد ركبت على ضفافه الأرحاء، ولأراضيها حظ من مياه نهر شلف، وعلى ثلاثة أيام منها، وفي جنوبها الجبل المسمى بجبل وانشريش، يسكنه قبائل من البربر منها مكناسة، وحرسون، وأوربة، وبنو أبي خليل، وكتامة ومطماطة، وبنو مليلت،


= المغرب يضع تاريخ سقوط بجاية في التاسع عشر من صفر سنة (٥٨١ هـ) القسم الثالث ص ١٤٨) ويتابعه في ذلك ابن خلدون (ج ٦ ص ١٩٠) وكذلك الزركشي في تاريخ الدولتين ص ١٠.
(١) المعجب ص ١٥٣.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩١، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>