الموحدية أن تدس هذه الكتب تحت جنح الليل إلى مختلف القواعد، فلما علم الناس أن القوات الموحدية قد اقتربت منهم، وثبت طوائف كثيرة منهم بالمحتلين ولاسيما بالجزائر، وقبضت على العديد منهم، وبادر الأسطول الموحدي، فاستولى على الجزائر قبل أن يصل إليها الجيش، وأسر بها يحيى بن غانية وأتباعه الميورقيين، ثم استولى على مليانة، وكان حاكمها المرابطي يدّر بن عائشة قد فر منها، فاقتفى أهلها أثره، وطاردوه ثم قبضوا عليه وعلى أصحابه بعد معركة شديدة، وسيق مع أصحابه مصفداً. ثم أعدم بعد ذلك. وكان السيد أبو زيد قد وصل عندئذ إلى وادي شلف، وأمر بمتابعة الحرب، وتقدم نحو بجاية على جناح السرعة، إذ علم بأن ابن غانية يروم نقل السيد أبي موسى وزملائه من أكابر الموحدين إلى ميورقة، وسار الأسطول إليها في نفس الوقت. وتقدم القائد أبو العباس الصقلي في إحدى السفن مع بعض أهالي بجاية، ودسوا الكتب إلى أهلها بوصول القوات الموحدية، فثارت العامة داخل المدينة، وفتحوا الأبواب، ونزل بحارة الأسطول وعلى رأسهم أبو محمد بن جامع إلى المدينة، وفتكوا بالميورقيين وأنصارهم، وفر يحيى بن غانية وأخوه عبد الله في عدد قليل من أصحابه، ولحق بأخيه أمام قسنطينة، وأسر الموحدون رشيداً الرومي قائد الميورقيين، واستولوا على السفن الميورقية خارج الميناء، وأطلق سراح السيد أبي موسى ومن معه من أكابر الموحدين. وهكذا استنقذت بجاية بضربة سريعة، وكان استردادها في اليوم التاسع عشر من شهر صفر سنة ٥٨١ هـ (٢٢ مايو سنة ١١٨٥)، بعد أن لبثت في قبضة بني غانية نحو سبعة أشهر (١).
وفي ذلك الحين كان ابن غانية تحت أسوار قسنطينة، وكانت المدينة المحصورة قد استنفدت كل وسائل الدفاع، وأشرفت على السقوط في يد العدو، ولكن ما كادت أنباء استرداد بجاية تصل إلى المحصورين، حتى اضطرمت قواهم المعنوية وثبتوا في معقلهم، ورأى الميورقي من جهة أخرى ما حل بقضيته من الخسران، بعد سقوط بجاية، وضياع أسطوله ومصرع الكثير من أصحابه، ونكول الأعراب عن مؤازرته، وخشى من إدراك الموحدين له، وهو في هذه الحالة اليائسة، فارتد عن قسنطينة مع إخوته وفلوله الباقية، وتوغل في الصحراء، بعيداً عن
(١) الرسائل الموحدية - الرسالة التاسعة والعشرون ص ١٧٦ - ١٧٨، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٥٠، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩١. وكذلك A. Bel: Les Benou Ghania, p. ٥٠-٥٣