للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطاردة. ولم تمض على فراره ثلاثة أيام حتى وصل السيد أبو زيد في قواته إلى تيكلات على مقربة من بجاية، وهنالك وافاه طلبة بجاية وأكابرها وعلى رأسهم السيد أبو موسى، وأخذ الجميع في الأهبة والاستعداد لمطاردة العدو الفار، وسيق إلى المحلة الموحدية كل من قبض عليه وأسر في بجاية من أنصار الميورقي سواء منهم من جاز معه من ميورقة، أو من انحاز إليه، ارتداداً عن الدعوة الموحدية، وميزوا وقتل معظمهم. واستبقى يحيى بن طلحة الميورقي رهينة. وفي اليوم الثالث سار الموحدون في أثر ابن غانية واستمروا في مسيرهم حتى مقرّة ونفاوس، ولكنهم لم يستطيعوا إدراكه، لأنه كان قد ألقى معظم أثقاله في الطريق وفرق قواته، وسبق الموحدين بمراحل، ولم يستطع الموحدون بقواتهم الكثيفة وعددهم الثقيلة لحاقاً به، فعندئذ ارتد السيد أبو زيد في جموعه إلى بجاية، وذلك بعد أن أنفقت الحملة الموحدية زهاء ستة أشهر في حركة متواصلة لم تنعم خلالها بقسط من الراحة (١).

أما علي بن غانية، فقد اتجه وأخوه يحيى في فلوله جنوباً، واخترق جبال الأطلس إلى منخفض حندة، ثم إلى منطقة الواحات الواقعة جنوبي ولاية إفريقية المسماة بلاد الجريد، وهو ينهب المحلات الغنية في تلك المنطقة، ويستميل بجزيل صلاته طوائف العرب النازلين في تلك الأنحاء، ولاسيما بني رياح وبنى جشم.

ولما اطمأنت نفسه وكثرت جموعه، سار إلى افتتاح مدينة تَوزَر، فضرب حولها الحصار، وقطع غابات النخيل المحيطة بها، فقاومته المدينة بشدة، ولكنه استطاع بمعاونة بعض الضالعين معه من أهلها أن يدخلها أخيراً. فلما دخل أغضى عن أهلها الذين ناصروه ومنحهم الأمان، واستصفى أموال الآخرين، ثم فرض عليهم فروضاً أخرى لافتداء أنفسهم، فمن استطاع أن يفتدي نفسه، أطلق سراحه، ومن عجز قتل ثم ألقى بعد قتله إلى بئر بالمدينة سميت فيما بعد بئر الشهداء، وكان سقوط توزر في سنة ٥٨٢ هـ (١١٨٦ م) (٢).

وكان السيد أبو زيد قد استقر في تلك الأثناء في بجاية، وكانت المدينة قد سادها الاضطراب والفوضى، وخربت دورها ومعاهدها، وأقفرت سائر المناطق المحيطة بها، وخربت على يد جند ابن غانية وأنصاره الأعراب، وعدمت المؤن والموارد والغلات، وارتفعت الأسعار، وفر كثير من السكان وهاموا على


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٥١.
(٢) رحلة التجاني (المنشورة بعناية المطبعة الرسمية بتونس سنة ١٩٥٨) ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>