للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مقربة من ثغر بورتماو، ثم دنا الموحدون من أسوار شلب، ونصبوا عليها المجانيق، وآلات الرمى، وضربوا حول المدينة حصاراً صارماً مرهقاً.

وأما المنصور، فإنه لما وصل بقواته إلى قرطبة نزل بها بالقصر الذي كان أنشأه السيد أبو يحيى. ثم تجول بأطلال مدينة الزهراء، ليشاهد آثار القرون الماضية، وليعتبر بما أحدثته صروف الدهر، وأمر بإنزال التمثال الذي كان منصوباً فوق بابها، وقد كان وفقاً لقول البكري تمثالا للعذراء. ويقول لنا صاحب البيان إنه هبت في عصر ذلك اليوم ريح عاصفة أحدثت بعض الخلل في محلة الساقة، فأذاع بعض عامة قرطبة أن ذلك كان بسبب إنزال تمثال الزهراء، وأن هذا التمثال كان طلسماً لحمايتها، وبلغ المنصور ذلك فسخر منه، وأنحى باللائمة على جهل أهل قرطبة (١)، وأمر بالاجتهاد والتأهب.

وكان قد وصل إلى قرطبة رسل من قبل ملك قشتالة، جاءوا ليسعوا إلى عقد الهدنة، وكان مقدم الجيوش الموحدية إلى شبه الجزيرة، قد بث حسبما تحدثنا رسالة الخليفة، بين النصارى، أسباب الجزع والفزع، فبادر ملوكهم إلى إرسال رسلهم في التماس المسالمة والتهادن، وأنه بينما كان الخليفة على وشك العبور من القصر الصغير، وصل رسل ملك قشتالة إلى إشبيلية، يعرضون السلم ويطلبون عقد الهدنة، ويعرضون التحالف على قتال غيرهم من النصارى.

تكررت هذه العروض عند وصول الخليفة إلى قرطبة، فاستجاب الخليفة إلى مطالبهم، لأنه حسبما يقول لنا في رسالته، رأى مصلحة المسلمين في افتراق كلمة الكفر، وكذلك عقد ملك ليون الهدنة مع الخليفة، ولم يأبه بالحلف القديم الذي كان قد عقده أبوه فرناندو مع ملك البرتغال أيام موقعة شنترين (٢).

ثم أمر الخليفة السيد أبا زكريا بن أبي حفص أن يسير إلى إشبيلية في جيش خاص من العرب وزناتة وأهل تلمسان ومن إليهم، ليتجهز هنالك وليلحق به وبإخوته في طريق الغزو. وقام المنصور بعد ذلك بتمييز القوات المرتزقة، والحشود الواصلة من العدوة، وفرقت فيهم البركة، ثم أمر بعقد الرايات، وخرج في قواته من قرطبة متجهاً نحو الشمال الغربي إلى وادي التاجُه، ولحق به السيد أبو زكريا في قواته في نفس الاتجاه. وكانت خطة المنصور، فيما يبدو هي العمل


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٧٥.
(٢) رسائل موحدية - الرسالة الرابعة والثلاثون ص ٢٢٢ و ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>