للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على إرغام ملك البرتغال على احتجاز قسم كبير من قواته وقوات حلفائه الصليبيين،

في الشمال بعيداً عن شلب، لكي يخفف ضغط النصارى بذلك على القوات الموحدية الضاربة حولها، فتستطيع تكريس جهودها للتغلب على منعة المدينة ذاتها. ومن ثم فقد سار المنصور صوب السهل الممتد على ضفاف التاجه شمالي شنترين، وأثخن الموحدون في تلك الرقعة الخضراء، فانتسفوا زروعها، وخربوا ضياعها، ثم عبروا النهر وساروا لمهاجمة قلعة طرش (١) الواقعة على مقربة من شمال شنترين، وهي قلعة عظيمة شديدة المنعة، تقع فوق ربوة عالية، فحاصروها بشدة، ولم تمض أيام قلائل، حتى عرض قائدها التسليم بالأمان، فوافق الخليفة وغادر القلعة كل من كان فيها من النصارى، وفي الحال خرب الموحدون القلعة وسائر متعلقاتها، وتركوها قاعاً صفصفاً، وكانت حسبما تصفها رسالة الخليفة محلة عامرة نضرة، تغص بالغراس والكروم. ثم سار الموحدون بعد ذلك شمالا، وهاجموا مدينة طومار (٢)، وهي قاعدة منيعة، تقع في بسيط مخصب زاهر، وكانت تدافع عنها حامية من فرسان المعبد (الداوية) فخرب الموحدون بسائطها، ولكنهم اضطروا إلى حصارها، نظراً لما أبدته حاميتها من شدة في الدفاع. ودام الحصار وقتاً دون أن تسلم طومار، ويقول لنا صاحب البيان المغرب، إن رسل ابن الرنك (ملك البرتغال) قدموا عندئذ في طلب المهادنة والسلم، وأن المنصور أمر بتخفيف القتال ريثما ينعقد السلم، وتنتظم الأمور (٣). ومن جهة أخرى، فإنه يبدو مما يقصه علينا الخليفة في رسالته أن الموحدين، كانوا خلال هذا الحصار، يوجهون سراياهم في سائر البسائط القريبة تثخن فيها، وتمعن في تخريبها، وأن سانشو ملك البرتغال كان في ذلك الحين مرابطاً بقواته في شنترين، لا يجرؤ على الخروج منها لملاقاة الموحدين (٤).

وعلى أي حال فإن الموحدين لم يستمروا في حصار طومار، ولم يأخذوها، وحدث العكس حيث أمر الخليفة بالكف عن القتال واختتام أعمال الغزو. ويقدم إلينا صاحب البيان تفسيراً لذلك خلاصته، أن الخليفة شعر بتوعك تمادى أمره،


(١) هي بالإفرنجية Torres، وتقوم اليوم مكانها بلدة Torres Novas البرتغالية.
(٢) هي بالإفرنجية Tomar وهي تقع على مقربة من شمالي T. Novas.
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٨٠.
(٤) الرسالة الموحدية الرابعة والثلاثون ص ٢٢٥ و ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>