للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه من جهة أخرى لاحظ أن شئون التموين بالجيش قد اختلت، وأخذت المؤن والعلوفات تنضب، وقد كانت تحمل إليهم على خط تموين طويل يمتد من قرطبة. وهذا بعكس ما كان عليه البرتغاليون حيث استطاعوا قبل الغزو أن يحصدوا معظم زروعهم، وأن يختزنوا المؤن الكافية (١). ولهذا كله قرر الخليفة أن يختتم أعمال الغزو، وأن يأمر بالارتداد إلى إشبيلية، وصدرت الأوامر في نفس الوقت إلى الجيش المحاصر لشلب بأن يغادرها على وجه السرعة، وأن يرتد كذلك أدراجه. وقضى المنصور في هذه الغزوة ثلاثة وأربعين يوماً. وكانت عودته إلى إشبيلية في الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة سنهّ ٥٨٦ هـ (يوليه ١١٩٠ م) (٢).

ونستطيع أن نقول إن غزوة المنصور لأراضي البرتغال لم تسفر عن نتائج ذي شأن، وأنها كانت بالعكس غزوة فاشلة، فلم تؤخذ طومار، ولم تُسترد شلب، وهي غاية الغزو الأولى. ونستطيع أيضاً أن نلاحظ مرة أخرى أن اختلال شئون التموين في الجيوش الموحدية، كان دائماً في مقدمة أسباب فشلها في تحقيق أغراضها العسكرية. على أننا نستطيع أن نلاحظ في نفس الوقت، أن ما تذرع به المنصور من الحزم في تنظيم الارتداد في الوقت المناسب، كان كفيلا بسلامة الجيش الموحدي، وعدم تعرضه لكارثة أخرى، من طراز كارثة شنترين.

على أن المنصور لم تقف همته ومشاريعه عند هذا الحد. ذلك أنه كان يشعر أنه لابد من تحقيق الهدف الرئيسي من عبوره إلى شبه الجزيرة، باسترداد شلب، وضرب قوي البرتغال العسكرية، ومن ثم فقد عول على البقاء بالأندلس، والعكوف على الاستعداد الوئيد المجدي.

وانتهز المنصور فرصة وجوده بإشبيلية، فأخذ ينظر في شئون الناس والعمال، وأمر بفحص قضايا المسجونين الذين طال سجنهم، وإعدام من يستحق الإعدام منهم بعد عرض أمره عليه، واشتد في مطاردة المنكرات والملاهي. وأما عن العمال فقد أمر المنصور، بالقبض على ابن سنان لما نمى إليه من أنه كان في موقعة المنار أول من بادر بالفرار، وأمر كذلك باستصفاء أمواله.


(١) الرسالة الموحدية السالفة الذكر ص ٢٢٧.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>