للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ذلك الحين بالذات، رُفع إلى المنصور أمر ثائر من نوع جديد ظهر بمراكش. ويدعى علي الجزيري. ويقدم إلينا صاحب البيان المغرب هذا الثائر في صورة غامضة مثيرة، فيقول لنا إنه كان يتظاهر بطلب العلم، ويعنى بنوع خاص " بحفظ المتشابهات "، وإنه لما ظهر أمره لأول مرة، أمر الخليفة بطرده من مراكش، فغادرها، وأخذ يتجول في الأقطار، وهو يبث دعوته سراً، ولاسيما بين العامة حيث يخاطبهم، ويسايرهم في أفكارهم، ثم ظهر من جديد بمراكش وكثر القول عن دعايته ومساعيه، فأمر والي المدينة السيد أبو الحسن ابن أبي حفص بمطاردته والبحث عنه أينما وجد، ولكنه استطاع أن يلوذ بالفرار، ثم ظهر بمدينة فاس، وأخذ يختلط بعامتها وأوباشها وتبعه منهم جماعة، فرفع خبره إلى واليها ابن ومازير، فقبض على عدة من أتباعه وقتلهم، وأفلت الثائر من المطاردة مرة أخرى، واختفى ولم يوقف له على أثر.

ثم تواترت الأنباء بأن الثائر قد عبر إلى الأندلس، فأمر المنصور بالكتب إلى سائر الولاة والعمال بصفته وهيئته وأماراته، وبأن يقبض عليه أينما وجد. وذاعت بهذه المناسبة عن الثائر أقوال وروايات خرافية كثيرة، فقيل إنه ساحر قدير، وإنه يتصور في صور الحيوانات المختلفة، مثل الحمير والكلاب والسنانير، وترددت هذه الأقاويل بين العامة. ثم قيل إنه عُثر عليه في مالقة، وقُبض على كثير من الأوباش الذين التفوا حوله، وفيهم أخوه، فأمر المنصور بإحضارهم إلى إشبيلية، وقيل إن الثائر كان ضمن هؤلاء المقبوض عليهم، ولكنه استطاع أن يفلت بواسطة رشوة دفعها أتباعه للقاضي المختص، ويدعى الواني. فأمر المنصور بقتل أولئك الأتباع، وعددهم تسعة وتسعون، وأمر بأن يجلد القاضي بعدد الدنانير التي تقاضاها على سبيل الرشوه، فهلك قبل أن يستوفى هذا العدد، وقتل في نفس الوقت في مختلف الأنحاء كثيرون آخرون ممن نسب إليهم مسايرة الثائر واتباع دعايته. وأخيراً، وبعد بحوث ومطاردات عنيفة، قبض على الثائر في بعض قرى مرسية، وأخذ إلى إشبيلية، وحمل إلى مجلس الموحدين، وطيف به على الحاضرين وهو يعلن إنكاره لما نسب إليه من المبادىء والنظريات الثورية، ثم انتهى الأمر بصلبه، والقضاء على ما دار حول شخصه من ضروب الإرجاف والخرافة (١).


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>