وأرسل إلى مراكش، وكانت ثورة الجزيرة في سنة ٥٨٦ هـ (١١٩٠ م)(١).
- ٢ -
وفي هذا العام بالذات أعني في سنة ٥٨٦ هـ، تلقى الخليفة الموحدي سفارة هامة، من الملك الناصر صلاح الدين سلطان مصر والشام، على يد وزيره عبد الرحمن بن منقذ، ولم تكن هذه أول مرة يحاول فيها عاهل مصر، أن يتصل بالخليفة الموحدي، وأن يكتب إليه. ولابد لنا قبل التحدث عن موضوع هذه السفارة، أن نشير إلى الظروف التي كان الشرق الإسلامي يجوزها في تلك الفترة، والتي حملت صلاح الدين، على أن يتجه ببصره إلى الغرب الإسلامي، ذلك أن الشرق الإسلامي كان منذ أواخر القرن الخامس الهجرى (أواخر القرن الحادي عشر الميلادى)، يواجه عدوان الغرب المنظم في صورة الحملات الصليبية المتوالية.
وكان هذا العدوان قد أسفر عن ثماره الأولى باستيلاء الصليبيين على ثغور الشام وبيت المقدس، وقيام المملكة الفرنجية اللاتينية في بيت المقدس. وكانت مصر في تلك الفترة المؤلمة، وهي أواخر العهد الفاطمي، تجوز مرحلة انحلال وضعف، وتعوزها الوسائل والقوى الدفاعية الناجعة. فلما انتهت الدولة الفاطمية، ونهضت مصر نهضتها المشهورة، على يد الملك الناصر صلاح الدين، واستطاعت أن تسحق قوي الصليبيين، وأن تسترد بيت المقدس، وأن تقضي بذلك على المملكة اللاتينية (٥٨٣ هـ - ١١٨٧ م) هرع الغرب في حشوده العظيمة مرة أخرى إلى الشرق، ليقضي على تلك القوة الجديدة، التي تهدد أطماعه ومشاريعه بالانهيار. وكان صلاح الدين، بالرغم مما شاده من القوي العظيمة، وما أحرزه من الانتصارات الباهرة، يشعر بأخطار هذا التكتل الصليبي الجديد، ويخشى إذا لم يتداركه العون من إحدى النواحي، أن يضعف عن مدافعته. وهنا اتجه صلاح الدين ببصره نحو المغرب، يرجو منه العون والغوث. وكان يرى في الدولة الموحدية التي بلغت يومئذ ذروة عظمتها وقوتها، ملاذاً يجدر قصده والالتجاء إليه. فكتب إلى الخليفة الموحدي، - يعقوب المنصور - في سنة ٥٨٥ هـ (١١٨٩ م) رسالته الشهيرة مدبجة بقلم القاضي الفاضل يستصرخه، ويستنصر به على قتال الجيوش الفرنجية الزاحفة يومئذ على مصر والشام، وفيها
(١) هذه رواية صاحب المغرب في حلي المغرب (ج ١ ص ٣٢٣ و ٣٢٤). وقد نقل المقري هذه الرواية وهذا الشعر في نفح الطيب.