للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصفه " بأمير المؤمنين، وسيد العالمين، وقسيم الدنيا والدين " ويصف له جهوده في محاربة الصليبيين وهزيمتهم، وما كان لذلك من أثر في تحالف النصرانية، ودول الغرب عليه، ونهوض ملوكه بجيوشهم وأساطيلهم لمحاربته، ومحاولة الاستيلاء على ثغور المشرق، والقضاء على قوى الإسلام المجتمعة تحت لوائه، ويطلب صلاح الدين إلى عاهل المغرب، أن يمد الشام، مسرح القتال، بشطر من أساطيله المنصورة، وأن يرسل في الوقت نفسه، جناحاً من أسطوله إلى صقلية، فيشغل طاغيتها، ويعطله عن الاشتراك مع زملائه الملوك النصارى في مهاجمة مصر، ويعتقله بذلك في جزيرته. ثم يقول صلاح الدين في رسالته إلى الخليفة الموحدي: " وبذلك يذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكرٍ لا ترد به المحامد على عقبها، ويقيم على الكفر قيامة، ويُطلع بها شمس النصر من مغربها " (١).

والظاهر أن البلاط المصري لم يكن على علم تام بحقيقة سير الأمور في المغرب والأندلس في تلك الفترة. ذلك أن يعقوب المنصور، ما كاد يتولى الخلافة عقب مصرع أبيه في موقعة شنترين، حتى أخذ يواجه حسبما رأينا سلسلة من الأحداث المزعجة سواء في المغرب أو الأندلس. فأما في المغرب فقد رأينا كيف شغل بثورة بني غانية، واعتدائهم على إفريقية، واستخلاص ثغورها من أيديهم. وأما في الأندلس، فقد عنى المنصور، كما رأينا بحشد الجيوش، لاستئناف حركة الجهاد، ورد عدوان النصارى عن أراضي الأندلس، بعد ما تفاقم هذا العدوان سواء من جانب قشتالة أو من جانب مملكة البرتغال. وقد كان من الطبيعي، في تلك الظروف الدقيقة التي يجوزها الموحدون، في المغرب والأندلس، أن صريخ صلاح الدين إلى الخليفة الموحدي، لم يلق صدى، وأن رسالته لم يكن لها الأثر المرغوب.

على أن صلاح الدين لم ييأس من الفوز بعون الخليفة الموحدي. ذلك أنه كان يشعر بأنه يتوجه بصريخه إلى الوجهة الصحيحة، وأن نزعة الجهاد، كانت تضطرم في المغرب على يد الدولة الموحدية، اضطرامها في المشرق، وأن الكفاح الذي يضطرم به الموحدون ضد اسبانيا النصرانية، لم يكن إلا شطراً من الكفاح الذي تضطلع به مصر في المشرق. ومن ثم فقد اعتزم صلاح الدين أن يكرر محاولته. فعاد في العام التالي في سنة ٥٨٦ هـ (١١٩٠ م)، فأرسل إلى الخليفة


(١) تراجع رسالة صلاح الدين إلى الخليفة الموحدي في صبح الأعشى ج ٦ ص ٢٦ - ٥٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>