يعقوب المنصور، سفارة على يد وزيره الشهير شمس الدولة أبي الحارث عبد الرحمن ابن منقذ، يحمل إليه رسالة وهدية فخمة. وكان ابن منقذ، وهو سليل أمراء بني منقذ أصحاب حصن شيزر السابقين بالشام، من رجالات الدولة الصلاحية البارزين، وممن يصطفيهم السلطان لقضاء المهام الدقيقة. ويصف صلاح الدين في رسالته إلى الخليفة الموحدي، ما حدث من تقاطر الفرنج على الشام براً وبحراً، وفي مقدمتهم جيوش ملك الألمان وملك الإنجليز وأساطيله، وما وقع حول عكا التي حاصرها الفرنج من المعارك الخطيرة، وما بذله السلطان لإنقاذها من الجهود في البر والبحر. ثم يتجه إلى الخليفة يطلب الإنجاد ويقول: إنه كان من المتوقع من " تلك الدولة العالية، والعزمة الفادية، مع القدرة الوافية، والهمة المهدية الهادية، أن يمد غرب الإسلام والمسلمين، بأكثر مما أمد غرب الكفار الكافرين، فيملأها عليهم جوارى كالأعلام "، وأنه لما تأخرت الإجابة " ظن أنها توقفت على الاستدعاء، فاستصرخه بهذه التحية فقد تحفل السحاب ولا تمطر، إلى أن تحركها الرياح "(١).
وهنا تختلف الروايتان المصرية والمغربية في تاريخ وصول السفير المصري إلى المغرب، وفي ظروف لقائه مع الخليفة. فتقول الرواية المصرية إن ابن منقذ أبحر من الإسكندرية قاصداً إلى المغرب في شهر رمضان سنة ٥٨٦ هـ، وأنه وصل إلى مراكش في شهر ذي الحجة من هذا العام، وأدخل إلى الخليفة في العشرين منه، وحملت هدية السلطان إلى الخليفة في نفس اليوم. بيد أنه يبدو أن الرواية المصرية لم تكن مطلعة تمام الاطلاع على سير الحوادث في المغرب والأندلس في تلك الفترة. ومن ثم فإنها لم تستطع أن تتبع حركات السفير المصري بدقة.
ذلك أن الخليفة المنصور، كان وقت وصول السفير المصري إلى المغرب، قد عبر البحر حسبما تقدم في جيوشه إلى الأندلس معتزماً مقاتلة النصارى، وإنقاذ مدينة شلب من قبضة البرتغاليين، وأنه كان في تلك الآونة بالذات مقيماً بإشبيلية، يجد في الأهبة، ويترقب الحوادث. ومن ثم فإن الرواية المغربية، وهي رواية صاحب البيان المغرب، المستقاة فيما يبدو من رواية ابن صاحب الصلاة، مؤرخ البلاط الموحدي، تقدم إلينا تفاصيل أخرى عن تحركات السفير المصري،
(١) الروضتين في تاريخ الدولتين ج ٢ ص ١٧١ - ١٧٣. وراجع مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (المنشور بعناية الدكتور جمال الدين الشيال) ج ٢ ص ٣٦١ و ٣٦٢.