للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبدو أكثر اتفاقاً مع سير الحوادث. فتقول لنا إن السفير المصري حينما وصل إلى المغرب، نزل بثغر تونس، ثم بثغر بجاية، فاستقبله السيد أبو زيد والي إفريقية والسيد أبو الحسن والي بجاية، بمنتهى الحفاوة والإكرام، وكتبا إلى الخليفة المنصور وهو يومئذ بإشبيلية بمقدم السفير، فوصلت كتبهما إليه في شهر رجب سنة ٥٨٦ هـ فرد الخليفة عليهما بالشكر، وأن يستمرا في مجاملة السفير وإكرامه، وأن يطلب إليه كتمان رسالته حتى يستقبله الخليفة، وبأن يستقر بمدينة فاس معززاً مكرماً، حتى يتم هذا الاستقبال (١).

ْولبث ابن منقذ مقيماً بفاس زهاء عام ينتظر لقاء الخليفة. وكان المنصور في تلك الأثناء، حسبما نفصل بعد، قد نظم غزوته الكبيرة لأراضي البرتغال، واستولى على ثغر قصر أبي دانس أو قصر الفتح في جمادى الأولى في سنة ٥٨٧ هـ، ثم سار إلى مدينة شلب واستولى عليها في جمادى الثانية، وعاد ظافراً إلى إشبيلية، ثم غادرها عائداً إلى المغرب في شهر رمضان سنة ٥٨٧ هـ (يوليه ١١٩١ م)، ولما وصل إلى مراكش واستقر بها، استقبل ابن منقذ، وقدمت إليه هدية السلطان، وكان فيها مصحف كريم في ربعة مخيشة بالمسك، وثلاثمائة مثقال من العنبر، وعشر قلائد من الجوهر، ومائة قوس بأوتارها، ونصول سيوف هندية وغيرها.

ويقول لنا صاحب كتاب " الإستبصار " إن اجتماع ابن منقذ بالخليفة كان في السادس من محرم سنة ٥٨٨ هـ (يناير ١١٩٢ م) وإنه غادر الحضرة بعد ذلك بخمسة أيام (٢). وأفضى ابن منقذ إلى عاهل المغرب بمضمون سفارته، فتلقى جواب المنصور عنها مجملا. ويقول لنا ابن خلدون إن الخليفة اعتذر عن إعارة الأسطول (٣) وأحيل ابن منقذ إلى الوزراء لاستكمال التفاصيل. ثم غادر مراكش في العاشر من المحرم سنة ٥٨٨ هـ، وهو يحمل من الخليفة إلى السلطان هدية تضارع هديته في القيمة والفخامة، فوصل إلى الإسكندرية في أواخر جمادى الثانية من هذا العام (٤).


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٨٣.
(٢) كتاب الإستبصار في عجائب الأمصار (المنشور بعناية الدكتور سعد زغلول عبد الحميد ١٩٥٨) ص ١٠٧.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٦.
(٤) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٨٣، و ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>