للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما تذكره الرواية بهذه المناسبة أن ابن منقذ رفع إلى المنصور، قصيدة من نظمه من أربعين بيتاً، يمدحه فيها، فمنحه المنصور صلة سخية قدرها أربعون ألف دينار، ألفاً عن كل بيت، وقال له إنما أعطيناك لفضلك ولبيتك، وهذا بعض ما جاء في القصيدة المذكورة:

سأشكر بحراً ذا عباب قطعته ... إلى بحر جود ما لأخراه ساحل

إليك أمير المؤمنين ولم تزل ... إلى بابك المأمول تزجي الرواحل

قطعت إليك البر والبحر موقناً ... بأن نداك الغمر بالنجح كافل

فلا زلت للعلياء والجود بانياً ... تبلغك الآمال ما أنت آمل (١).

ونحن نعرف أنه لم يكن لهذه السفارة نتائج عملية، ولم يحصل صلاح الدين على ما كان يرجوه منها من عون وإنجاد. وفي بعض الروايات أن الخليفة المنصور لم يستجب إلى صريخ صلاح الدين، لأنه لم يلقبه في رسالته بألقاب الخلافة (٢).

وهي رواية ظاهرة الضعف. ذلك أن الأسباب الحقيقية لموقف الخليفة الموحدي، يجب أن تفهم على ضوء الحوادث والظروف التي كان يجوزها الغرب الإسلامي. أعني المغرب والأندلس، في تلك الفترة. فقد كانت إفريقية وهي منطقة حساسة من المغرب ما تزال معرضة لعدوان بني غانية، ومن إليهم من الأعراب الضالعين معهم، وكانت الأندلس تواجه مثل الأخطار التي كان يواجهها الشرق الإسلامي، من عدوان النصارى والصليبيين. وبالرغم من نجاح الموحدين في غزو البرتغال، واستردادهم لقصر الفتح وشلب، فإنه كان ثمة احتمال دائم، بأن يتكرر عدوان البرتغاليين وحلفائهم الصليبيين القادمين من الثغور الشمالية، على غربي الأندلس، وأن يتكرر عدوان القشتاليين على أواسطها. وقد كانت الأساطيل الموحدية، التي كان صلاح الدين يطمح بالأخص إلى عونها، ترابط باستمرار في مياه الأندلس الجنوبية والغربية، استعداداً لمؤازرة الجيوش الموحدية لرد كل عدوان محتمل. ومن ثم فإنه لم يك ثمة إزاء هذه الظروف والأخطار كلها، فيما يبدو، مجال لأن يتقدم عاهل المغرب إلى غوث إخوانه المشارقة، بقوات كان هو في أشد الحاجة إليها. وكان على كل فريق أن يعتمد على نفسه في رد العدوان الذي يواجهه.


(١) نفح الطيب ج ١ ص ٢٠٧.
(٢) ابن خلكان في الوفيات ج ٢ ص ٤٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>