للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التزام عهد هذه البيعة المباركة عهداً، وإحكام عقدها السعيد عقداً، فبايعوا للأمير الأجل السيد السعيد الأوحد ... بيعة إخوانهم الموحدين، على صفاء من قلوبهم، وخلوص من عيوبهم، وصحة من عقائدهم وضمائرهم، وتوافق من بواطنهم، وطواييرهم، وعلى أوفى عهود البيعة وشروطها، وأكمل عقودها وربوطها، من السمع والطاعة في السر والجهر، والعسر واليسر، وعلى اعتقاد النصيحة والموالاة الصريحة، أعطوه بذلك عهد الله المؤكد، وميثاقه المشدد، وأعطوه به صفقة قلوبهم وإيمانهم، وعهدة إسلامهم وإيمانهم، وخالصة سرهم وإعلانهم " (١).

وفي العام التالي سنة ٥٨٨ هـ (١١٩٢ م) وصل السيد أبو زيد والي إفريقية، ومعه برسم الخليفة هدية جليلة من التحف الملوكية، وفي صحبته وفد من أعيان عرب سليم ورياح، وأنجادهم (٢)، وكان الخليفة قد تحرك في تلك الأثناء من الحضرة قاصداً إلى فاس نزولا على نصح أطبائه، فالتقى به السيد أبو زيد ومن معه في تانسيفت، وأمر الخليفة بعد انقضاء مراسيم التحية واللقاء، بمسير الوفود القادمة إلى مراكش لمشاهدة القصور والمرافق الخلافية، وما تحويه الحضرة من جليل الآثار والمنشآت، الدالة على عظمة الدولة الموحدية وقوتها. فأمضت الوفود بالحضرة أياماً، ثم لحقت بأمير المؤمنين في طريقه لتزجي إليه آيات الشكر، والعرفان.

ورحل الخليفة إلى رباط الفتح ثم إلى فاس. وعنى خلال إقامته بفاس بالنظر في شئون إفريقية. وكانت هذه الشئون بما يعتورها من المتاعب، ومن الأخطار المترتبة على عدوان بني غانية، تلقى من الخليفة أعظم اهتمام، وغمر الخليفة بهذه المناسبة وفود العرب من سليم ورياح بوافر صلاته وإكرامه، والتزمت الوفود من جانبها بالوفاء ومقابلة البر بحسن الصنيعة، ثم عادت إلى مواطنها بإفريقية، وقد نالت من إنعام الخليفة وبره أضعاف ما أملت.

ولما شعر الخليفة باكتمال الصحة والعافية، سار إلى رباط الفتح مرة أخرى، وكان يؤثر هذه المدينة التي أسسها جده عبد المؤمن بحبه، ويميل إلى سكناها والاستجمام بها. وكان في تلك المرة قد عقد العزم على الانتقال إليها بصفة نهائية،


(١) ورد نص هذه البيعة كاملا ضمن المخطوط رقم ٤٨٨ الغزيري بمكتبة الإسكوريال، وهو الذي سبق أن نقلنا عنه عدة من الوثائق المرابطية.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>