للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أي حال، فإنه لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن الرواية الإسلامية هنا، وكعادتها في مثل هذه المواقع العظيمة الحاسمة، التي تضطرم بين الإسلام والنصرانية، تجنح إلى نوع من المبالغة والإغراق، يمكن فهمه وتعليله وإن لم تمكن استساغته. ومن المحقق أن خسائر النصارى كانت فادحة في مثل هذه المعركة التي بلغ فيها القتال أشده، والتي ثقلت فيها وطأة المطاردة على الجيش المنهزم، وأثخن الموحدون في فلوله قتلا وأسرا، ولكنها لا يمكن أن تعدو بضع عشرات من الألوف. ومن ثم كان الرقم الذي يقدمه إلينا المؤرخ الموحدي المعاصر وهو ثلاثون ألفاً، يطبعه التعقل والاعتدال. ثم إن الرواية الإسلامية تقدم إلينا بعد ذلك من الغنائم والأسلاب أرقاماً مدهشة. فيقول لنا ابن الاثير، ويتابعه النويري، إن المسلمين حازوا من الخيام مائة وخمسين ألفاً، ومن الخيل ستة وأربعين ألفاً، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير مائة ألف، هذا غير مقادير لا تحصى من الأموال والتحف. وقسم الخليفة الغنائم بعد استبعاد الأخماس، بين المسلمين وفقاً لأحكام الشريعة. وكان الخليفة فضلا عن ذلك، قد نادى في عسكره أن من ِغنم شيئاً فهو له سوى السلاح، فحُصر ما حمل إليه منه، فكان يزيد على سبعين ألف لباس (١).

وثمة مسألة أخرى تميل الرواية الإسلامية إلى ذكرها بمناسبة وقيعة الأرَك، وهي المقارنة بين هذه الموقعة وبين موقعة الزلاّقة، وذلك من حيث ظروفها ونتائجها. فهى تذكر كيف أن جنود الأندلس كانوا أول من أصيب من عسكر المسلمين في الزلاقة، وكيف كثر القتل فيهم لولا أن تداركتهم في النهاية قوات ابن تاشفين المرابطية، وهذا بخلاف ما حدث يوم الأرك حيث لقيت الجيوش الموحدية النصارى، مجتمعة وفي جبهة واحدة، ومن ثم فقد كانت موقعة الزلاقة مقسومة الثقل، مكدرة الصفو، ولكن موقعة الأرك جاءت " هنيئة الموقع عامة المسرة ". ثم هي ترى بحق أن غزوة الأرك، كانت مثل الزلاقة من أيام الإسلام المشهورة، وبها اعتز الإسلام وعلت كلمته، بل ترى أنها كانت أعظم من موقعة الزلاقة، وأنها أنست كل فتح تقدمها بالأندلس (٢). على أن المقارنة


(١) ابن الأثير ج ١٢ ص ٤٥، والنويري (طبعة راميرو المشار إليها) ص ٢٧٤ هـ، ونفح الطيب ج ١ ص ٢٠٧.
(٢) راجع البيان المغرب - القسم الثالث ص ١٩٦، وروض القرطاس ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>