للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تقف عند هذا الحد، فقد رأينا فيما تقدم من حديثنا عن موقعة الزلاقة (١)، كيف أن الرواية الإسلامية تحيطها بطائفة من الأساطير التي تسبغ عليها هالة من القدسية، وكذلك فإن حديثها عن موقعة الأرك لا تخلو من ذكر هذه الأساطير، وأسطع ما تقصه علينا في ذلك هو حديث الحلم الذي يقال إن الخليفة يعقوب المنصور رآه قبل الموقعة ببضعة أيام، في ليلة الجمعة الرابع من شعبان، واستبشر به ببلوغ النصر، وهو أنه لبث طوال الليل راكعاً ساجداً مبتهلا، وداعياً لتأييد المسلمين على أعدائهم، فبينما هو راكع في مصلاه إذ غلبه النوم، فرأى كأن باباً قد فتح في السماء، ونزل منه فارس أبيض حسن الوجه، وبيده راية خضراء منشورة، قد سدت الأفق من عظمها، فسلم عليه، فقال له من أنت يرحمك الله، فقال أنا ملك من السماء، جئت لأبشرك بفتح من رب العالمين، لك ولعصابتك المجاهدين الذين أتوا تحت رايتك. ثم أنشد هذا الفارس أبياتاً حفظها الخليفة وهي:

بشائر نصر الله جاءتك سافرة ... لتعلم أن الله ينصر ناصره

فأبشر بنصر الله والفتح إنه ... قريب وخيل الله لا شك ظافرة

فتفنى جيوش الروم بالسيف والقنا ... وتخلى بلاداً لا ترى بعد عامرة

وأن الخليفة نهض من نومه موقناً بالفتح والظفر (٢). فهذا الحلم الذي تقصه الرواية الإسلامية بمناسبة معركة الأرك، يذكرنا بالحلم الذي تذكره لمناسبة موقعة الزلاّقة وهو أن الفقيه الناسك أبا العباس بن رميلة القرطبي وكان بمحلة ابن عباد، نهض في جوف الليل، قبيل نشوب المعركة فرحاً مسروراً، وهو يقول إنه رأى النبي، وإن النبي بشره بالفتح والشهادة (٣). ثم تذكرنا كذلك بالحلم الذي تقول لنا إن ألفونسو السادس ملك قشتالة رآه قبيل معركة الزلاقة، وخلاصته أنه رأى أنه يركب فيلا، قد تدلى بجانبه طبل يحدث صوتاً مزعجاً كلما قرعه، وأن فقيهاً من أهل طليطلة، نبأه بأن هذا الحلم هو نذير هزيمته، مشبهاً ذلك بما حدث عام الفيل من سحق أبرهة، وقد كان يركب الفيل أيضاً. ثم يذكرنا كذلك، بما تزعمه الرواية النصرانية من آن لآخر، من أن الملوك النصارى، كانوا متى اشتد القتال بينهم وبين المسلمين، يرون ملاكاً يهبط من السماء وفي يده صليب أو نحو ذلك.


(١) راجع كتابي " دول الطوائف " ص ٣١٩ - ٣٢١.
(٢) روض القرطاس ص ١٤٧، ١٤٨.
(٣) الروض المعطار ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>