للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرواية سواء أكانت إسلامية أو نصرانية تجنح إلى مثل هذه الأساطير، بالأخص في المواقع العظيمة الحاسمة بين الإسلام والنصرانية، مثل الزلاقة، والأرك وغيرها، على أن موقعة الأرك تختلف عن موقعة الزلاقة من بعض الوجوه الهامة. فقد كان المسلمون من أندلسيين ومرابطين يواجهون في الزلاقة، قوي اسبانيا النصرانية كلها، ملتفة حول عميدها ألفونسو السادس. أما في يوم الأرك فقد كانت الجبهة النصرانية، مقتصرة على ملك قشتالة وقواته. وقد غادر ألفونسو الثامن طليطلة في قواته، حينما علم بزحف الموحدين نحو أراضي قشتالة، ولم يرد أن ينتظر حليفه ملك ليون، وكان قد وصل عندئذ بقواته إلى طلبيرة، ولكنه لم يقدم على معاونة زميله، لأنه أبي أن يعطيه بعض الحصون التي طلبها، ثم انقلب بعد ذلك إلى خصومته، ومحالفة الموحدين أعدائه. وكذلك لم ينتظر ألفونسو الثامن معاونة من ملك نافارا، أو من ملك أراجون وذلك لوثوقه من رجحان قواته، ويقينه ببلوغ النصر على أعدائه. وقد انتصر عليهم من قبل مراراً في معارك محلية. ومن الغريب المدهش ما تقصه علينا الرواية الإسلامية من دلائل يقين ملك قشتالة بإحراز النصر على أعدائه، وهو أنه كان يصطحب معه حين مسيره لقتال الموحدين جماعات من التجار اليهود، جاءوا لشراء أسرى المسلمين، وأسلابهم، وأعدوا لذلك الأموال اللازمة (١).

وتختلف كذلك موقعة الأرك في نتائجها عن موقعة الزلاقة. ذلك أن موقعة الزلاقة بالرغم من كونها قد صدعت من قوي مملكة قشتالة، وقضت مؤقتاً على الخطر الذي كان يهدد دول الطوائف، فإنها اقتصرت على تحقيق النصر للمسلمين، ْولم يُتبع يوسف بن تاشفين نصره في الموقعة، بأية محاولة أخرى لاسترداد طليطلة أو غزو أراضي قشتالة. هذا في حين أن المنصور بث جيوشه عقب النصر مباشرة في أراضي قلعة رباح فاستولت على عدة حصون. ثم إنه لم تمض بضعة أشهر على معركة الأرك، حتى خرج المنصور في قواته ثانية لغزو أراضي قشتالة، واخترقها حتى شمالي طليطلة، واستولى على طائفة من المواقع والحصون حسبما نفصل بعد.

ولقد كان انتصار الموحدين في معركة الأرك، يرجع فضلا عن تفوقهم العددي، إلى عدة أسباب، روعي تحقيقها لأول مرة في الغزوات الموحدية


(١) بغية الملتمس (المكتبة الأندلسية) ج ٣ ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>