للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمر الموحدون في زحفهم شرقاً صوب مدينة طلبيرة، وهي أكبر مدن ولاية طليطلة، وهم يثخنون في أراضي قشتالة، تخريباً، وأسراً وسبياً، فلما أشرفوا على طلبيرة انتسفوا زروعها، وحدائقها وأشجارها، ولكنهم لم يحاولوا اقتحام المدينة لمنعتها، ولعدم استعدادهم لضرب الحصار حولها، إذ كانت تنقصهم آلات الحصار، فقنعوا باجتياح كل ما حولها من مظاهر العمران، وصيروا أراضيها قاعاً صفصفاً. كل ذلك وملك قشتالة محتجب داخل مملكته، غير مجترىء على لقاء الغزاة في أية ساحة. ثم اتجه الموحدون شمالا إلى مكّادة (١)، وأنزلوا بأراضيها من التخريب ما أنزلوه بطلبيرة. وهبطوا أخيراً إلى طليطلة من ناحيتها الشمالية، وبرزت أمامها الحشود الموحدية فرساناً ومشاة في أكمل عددها وعدتها، وقد امتنع النصارى بداخلها مستعدين للكفاح والدفاع، ثم عبر الموحدون بعد ذلك نهر التاجُه، إلى ساحتها الجنوبية، وانتسفوا زروعها، وكرومها وحدائقها، ولاسيما منيتها الشهيرة، وهي التي كانت من قبل لبني ذي النون، وورثها النصارى، وامتدت أيامها حتى خربها الموحدون فيما خربوه من مرافقها وأراضيها، وقضى الموحدون حول طليطلة بضعة أيام، واقتصروا على تخريب ديارها، وإبراز مظاهر قوتهم، وروعة حشودهم الزاخرة (٢).

ويقدم إلينا المقري عن غزوة طليطلة رواية خلاصتها أن المنصور لما حاصر طليطلة وضيق عليها، واشتد في ضربها بالمجانيق حتى أوشكت على السقوط، خرجت إليه والدة ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وبناته ونساؤه، ومثلن بين يديه باكيات متضرعات إليه، أن يبقى البلد عليهن، فرق المنصور لضراعتهن، وكف عن ضرب المدينة، ووهب لهن قدراً من المال والجواهر الجليلة، وردهن مكرمات. وهذه رواية يصعب علينا تصديقها لمجانبتها للمنطق والمعقول (٣).

وفي خلال الغزوة الموحدية لأراضي قشتالة، بعث ملك ليون، وهو ألفونسو التاسع إلى المنصور، يرجوه أن يعاونه ببعض قواته، على غزو قشتالة، فاستجاب المنصور لرغبته، لما كان من سالف موقفه قبيل معركة الأرك، وتنحيه عن معاونة ملك قشتالة ضد الموحدين، وجنوحه إلى مصادقتهم ومحالفتهم. وغزا ملك ليون، ومعه قوة من الموحدين أراضي قشتالة من ناحية تييرا دي كامبوس "،


(١) وهي بالإسبانية Maqueda. راجع الروض المعطار ص ١٣.
(٢) الرسالة الموحدية الخامسة والثلاثون ص ٣٣٦ و ٣٣٧. والبيان المغرب ص ١٩٩.
(٣) المقري في نفح الطيب ج ٢ ص ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>