وحالته الصحية. وكان ابن رشد يومئذ قد جاوز السبعين من عمره. وقُضي على زملاء الفيلسوف الذين تقدم ذكرهم كذلك بالنفي إلى جهات أخرى، وكان أبرزهم بعد ابن رشد، هو إبراهيم الأصولي. وصودرت كتب الجميع، وأمر بإحراقها أينما وجدت.
ولم يكتف البلاط الموحدي بتوقيع العقوبة المادية على المتهمين، ولكنه رأى أن يقرنها بإعلان وجهة نظره، وتبرير تصرفه، فوجه المنصور كتاباً في هذا الموضوع، من إنشاء كاتبه أبي عبد الله بن عياش، إلى مراكش وغيرها من قواعد المغرب والأندلس. وإليك بعض ما جاء في هذا الكتاب المشهور، الذي انفرد بتدوينه ابن عبد الملك صاحب " الذيل والتكملة ":
" وقد كان في سالف الدهر قوم، خاضوا في بحور الأوهام، وأقرّ لهم عواقّهم، بشفوف عليهم في الإفهام، حيث لا داعي يدعو للحيّ القيوم، ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم، فخلّدوا في العالم صحفاً، ما لها من خلاق، مسوّدة المعاني والأوراق، بعدها من الشريعة بعد المشرقين، وتباينها تباين الثقلين، يوهمون أن العقل ميزانها، والحق برهانها، وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقاً، ويشيدون فيها شواكل وطرقاً. ذلكم ما في الله خلقهم للنار، وبعمل أهل النار يعملون، ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يذرون. ونشأ منهم في هذه [اللمحة] البيضاء شياطين .. يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، فكانوا عليها أضر من أهل الكتاب، وأبعد من الرجعة إلى الله ..
لأن الكتابي يجتهد في ضلال، ويجد في كلال، وهاؤلاء جهدهم التعطيل، وقصاراهم [الغمومة] والتخييل، وبث عقاربهم في الآفاق برهة من الزمان، إلى أن أطلعنا الله سبحانه منهم، على رجال كان الدهر قد سالمهم على شدة حروبهم، وأغفى عنهم سنين على كثرة ذنوبهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، وما أمهلوا إلا ليأخذهم الله الذي لا إله إلا هو، وسع كل شىء علماً.
" وما زلنا وصل الله كرامتكم، نذكرهم على مقدار ظننا فيهم، وندعوهم على بصيرة إلى ما يقربهم إلى الله سبحانه ويدنيهم. فلما أراد الله فضيحة عمايتهم، وكشف غوايتهم، وقف لبعضهم على كتب مسطورة من الضلال، موجبة أخذ